السعودية تقاتل البعبع

حفرت الدالوة اسمها عميقا في الذاكرة السعودية. انتبهت المملكة فجأة الى أنّها ليست بعيدة عن خط النار، وأنّ زمام الأمور على أراضيها قد يسلّم نفسه للشيطان ليعيث في أمنها المضبوط لحدّ الآن في ظل بحار المنطقة الهوجاء. حادثة الإحساء ليست مجرد حادثة عشوائية أُسقطت على المكان دون وعي، بل هي نتيجة تراكم عمل سنوات من غضّ النظر عن خطاب التحريض الذي يطال شيعة المملكة، تنظر لها السعودية على أنّها ناقوس خطر
2014-11-26

مريم ترحيني

كاتبة لبنانية مقيمة في السعودية


شارك
(من الانترنت)

حفرت الدالوة اسمها عميقا في الذاكرة السعودية. انتبهت المملكة فجأة الى أنّها ليست بعيدة عن خط النار، وأنّ زمام الأمور على أراضيها قد يسلّم نفسه للشيطان ليعيث في أمنها المضبوط لحدّ الآن في ظل بحار المنطقة الهوجاء. حادثة الإحساء ليست مجرد حادثة عشوائية أُسقطت على المكان دون وعي، بل هي نتيجة تراكم عمل سنوات من غضّ النظر عن خطاب التحريض الذي يطال شيعة المملكة، تنظر لها السعودية على أنّها ناقوس خطر يعرّض للاهتزاز الاستقرار الذي يميزها والذي يعد عنصراً جاذباً للاستثمارات والمشاريع وخطط التطوير.
لم يتجاوز أحدٌ الصدمة بعد، لا الحكومة ولا أهل الإحساء، ضربت المنطقة في ليلة العاشر من المحرم، فسقط 8 شهداء إلى جانب العديد من الجرحى نتيجة إطلاق نار على حسينية في قرية الدالوة بعد الانتهاء من أداء المراسم العاشورائية. وصلت الى هنا النار التي كانت تتقيها السعودية وتدفعها خارجا عن أراضيها، ولسعتها. تمّت عملية الملاحقة سريعا، فلا مزاح مع الرصاص، وقبضت الشرطة على خلية إرهابية عناصرها عادوا من جهاد خارجي للدفاع عن خطٍّ لإسلام يحلّل قتل الجميع. كلّ الأسئلة تُطرح: كيف ولماذا حصل ذلك؟ الإحساء الواحة المتعايشة سلميا مع كلّ ما يحدث، يعيش الجميع فيها جنبا إلى جنب دون تفرقة، يتشاركون المناسبات، ويعرفون طقوس بعضهم بعضا، ويملكون قدرا كبيرا من مشاعر التسامح والأخوة والانفتاح على الآخر يفتقده السعوديون في مناطق أخرى.
لم تكن الحكومة تعير الاهتمام الجدّي لما كان يصدّر عن كتّابها وصحافييها ومنابر شيوخها، لم تكن تسمع خطب الجمعة المليئة بالأدعية الصريحة بهلاك كل من يختلف عن فكر المتحدث، سيل الحشو المدروس للخطر القادم من "الروافض" كما دأبوا على تسميتهم، الفتاوى والدراسات الدينية التي تؤكّد ضلال القوم وتنزع عنهم صفة المواطنية وتجعلهم خارجين عن القانون. هذا الحقن الممتد لأعوام طويلة والمكثّف في الأعوام القليلة الماضية مع بدء اندلاع الثورات في العالم العربي، وما تبعها من أحداث العوامية والاعتقالات والمداهمات والزجّ في السجون بدون محاكمات واضحة.
يحمل السعوديون أفكاراً متخيلة عن بعضهم البعض، يروق لهم تحويل الآخر إلى بعبع. البعبع الشيعي مثالًا وليد البعبع الإيراني، تتحوّل فيه هذه الدولة إلى العدوّ الأول على الأراضي السعودية. حتّى في خضم نزيف الدم الحاصل، ومعرفة المجرمين، ومن أين أتوا، ودوافع العملية، تجد من يشير بإصبعه إلى هناك، يتوّجس منها خيفةً، ويرون فيها اليد التّي تبتدع المؤامرات، الخزينة التي تموّل الأقليات المزعجة، صاحبة فكرة تصدير الثّورة الإسلامية بمذهبها الشيعي. اسأل أيًّا كان في المملكة يأتيك الجواب أنّ الخطر الأكبر يكمن في "الرياح الفارسية" التّي تهبّ على المنطقة لتسقط أنظمةً وملوكاً. وإيران بسلاحها النووي تهدد الخليج بأسره، تضع العرب تحت نير رحمتها. المقالات التي كُتبت من الحادثة إلى الآن لم تحد عن ضرورة العمل على وأد الفتنة، وتغليب أمن المجتمع على مشاعر الانتقام، وخاصة أن قوات الأمن لم تتلكأ في القبض على الفاعلين وأنه سقط لها جنديان في عمليات المداهمة والملاحقة. جميع الأصوات المؤثرة في السعودية من صحف ومفتين ورجال دين شيعة شدّدوا على ضرورة الوقوف في وجه ما تحوكه الأيدي الإرهابية، وضرورة الحفاظ على الأمن حتّى لا تغرق البلاد في أتون صراعٍ مذهبي يحرق الأرض وناسها.
لكن هل يمحو هذا الكلام مشاعر البغض المتبادلة بين الفريقين؟ هل يمحو هذا الكلام دعوات القتل التي كانت تساق على الفضائيات، وكلام الاستهزاء بالآخر واتّهامه بالعمل وفقًا لأجندةٍ خارجية لا دخل لسياسة البلاد فيها. زمنٌ جديد وجدت المملكة نفسها بين المطرقة والسندان، بدأت بإسكات أبواق الفتن، دون أن تفلح في كبح عواطف الناس العادية التي لا تعي مخاطر الانشقاق. فبعد قرار إغلاق محطّة "الوصال" تمّ إيقاف وزير الإعلام عبد العزيز الخوجة عن العمل، وستسمع همسات وتعليقات على الصفحات الافتراضية عن الشدّ على يدي من قام بالعملية الإرهابية، أو عن تساؤلات حول عدم إغلاق قنوات الشيعة أيضا، على أساس الحاجة للتوازن. حتّى كثير من الشيعة لا يعجبهم أداء الحكومة ويرونها مسؤولة بطريقة غير مباشرة عمّا حصل، فهي التي ظهّرتهم على أنّهم طلاب انشقاق وأصحاب سوابق فجعلت أيّ عملٍ يرتكب ضدّهم يحمل تفسيره وبراءته على حدّ سواء. لا أحد يعرف إلى أين تتجه المملكة، فالاحتمالات مفتوحة على مصراعيها. من سينتصر أخيرا؟ كلمات الوحدة الوطنية وضرورة التلاحم الوطني التي بدأت تلقى رواجا في الآونة الأخير أم أبواق التحريض والكراهية؟

مقالات من الأحساء

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

... فلنمُت إذاً

أوردت صحيفة سعودية خبراً عن توقيف امرأة تقود سيارة في منطقة صفوى في القطيف متوجهة فيها إلى المشفى إثر تعرضها لأزمة بسبب مرض مزمن. سمحت الشرطة للمرأة بتلقي العلاج، ومن...

البحث عن الإنسان في السعودية

يُحكى أنّ رجلًا ذا عيونٍ زرقاء كان يتجول في أروقة متجر في أحد أحياء الرياض، وأنّ عيوناً مراقِبة رصدته وهو يلحق بامرأة ترتدي عباءة سوداء. هكذا بكل وقاحة، يلاحقها من...