تعليمات الى المرشحين للامتحانات و.. الانتخابات

ستجري انتخابات هيئة المأجورين ومندوبي العمال وممثلي الموظفين في القطاع العام والخاص بالمغرب بدءاً من الثالث من حزيران/ يونيو القادم، وتليها امتحانات البكالوريا بعدها بأسبوع. وكلما اقترب الاستحقاقان كثرت التعليمات. فقد أعلنت وزارة التعليم "مواصلة الجهود الرامية إلى تحصين مصداقية البكالوريا الوطنية ودعم آليات ضمان الاستحقاق وتكافؤ الفرص لجميع المرشحين" أصدرت الوزارة تعليمات لمنع الغش.
2015-05-28

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
محمد عمران-سوريا

ستجري انتخابات هيئة المأجورين ومندوبي العمال وممثلي الموظفين في القطاع العام والخاص بالمغرب بدءاً من الثالث من حزيران/ يونيو القادم، وتليها امتحانات البكالوريا بعدها بأسبوع. وكلما اقترب الاستحقاقان كثرت التعليمات. فقد أعلنت وزارة التعليم "مواصلة الجهود الرامية إلى تحصين مصداقية البكالوريا الوطنية ودعم آليات ضمان الاستحقاق وتكافؤ الفرص لجميع المرشحين" أصدرت الوزارة تعليمات لمنع الغش. بينما نبهت وزارة الداخلية إلى ضرورة ضمان الاستحقاق وتكافؤ الفرص لجميع المرشحين، والغاية هي تحصين مصداقية الديموقراطية المغربية من الغش الانتخابي.
لتحقيق هذه الغايات النبيلة تقول وزارة التربية:
"يُمنع منعاً كلياً حيازة الهواتف النقالة والوسائط الإلكترونية داخل فضاءات مراكز الامتحان، كما يُمنع تبادل الحديث بين المرشحين خلال اجتياز الاختبارات أو استعمال الوثائق والمعينات غير تلك المسموح بها. وستحرر الإجابات على أسئلة الاختبار في الحيز المخصص لذلك في كراسة الاختبار باستعمال قلم الحبر الجاف. ويتم التسويد باستعمال الصفحات الخلفية لكراسة الاختبار نفسها".
هكذا، ولأول مرة سيكون لكراسة الامتحان وجهان، وجه للتسويد ووجه للإجابة. وكل خرق لذلك يعتبر غشا يعرض صاحبه إلى عقوبات زجرية منها الإقصاء التام من المباراة. فيُحارَب الغش بالتوعية والتهديد بالعقاب.
أما وزارة الداخلية فتنصح المرشحين باحترام سقف المصاريف مع الحرص على منع المس بثوابت المملكة واحترام الغير واجتناب التحريض على العنصرية أو الكراهية أو العنف. كما يُمنع الظهور في أماكن العبادة أو أي استعمال كلي أو جزئي لهذه الأماكن. ويُمنع إظهار عناصر أو أماكن تُشكِّل علامة تجارية. ممنوع العنف والدين والتجارة.
والغاية النبيلة هي تكافؤ الفرص والاستحقاق. والملاحظ هو تقارب تعليمات وزارة التعليم ووزارة الداخلية. كيف نفسر ذلك؟
الامتحان والانتخابات ظاهرة اجتماعية قوامها التنافس والاختبار بغرض الحصول على الأفضل. ويؤدي العجز عن التنافس في فهم الدروس وفي إقناع الناخبين إلى الغش. ويعيش الغشاش حالة مزدوجة مع زميله الذي سيُساعده وهي علاقة تعاون وتنافس. وفي لحظات المنافسة الشديدة، يكون الفرد تحت الضغط فيكشف حقيقته، تتعرى دوافعه ويدوس على التعليمات في سعيه لتحقيق غاياته.
من أشكال الغش الانتخابي أن يستخدم مرشح "أرنب سباق" يقوم بحملة وينسحب قبيل التصويت لمصلحة مرشح آخر. مثال آخر في انتخابات بلدية سابقة: حصل حزب صغير على أربعة مقاعد. وحين ترشح زعيم الحزب عن الإقليم نفسه لمجلس المستشارين لم يصوت له أربعة بل مئة عضو بلدي. التجارة واضحة هنا.
وهناك تناقض كبير بين التعليمات المكتوبة الرسمية القانونية وبين تلك الشفوية التي رسختها الممارسة والعرف. فكما أن هناك اقتصاد عشوائي وبناء عشوائي هناك سياسة عشوائية تكره الورق والوضوح. وتقضي التعليمات الشفوية بتحقيق الهدف بكل وسيلة ممكنة: عبر سرقة أجوبة الامتحان وعبر تضليل الناخبين وشراء أصواتهم. عادة يتملق الغشاش سلطة الأستاذ ويتملق المرشح الناخبين. وهنا يكون للمرشح وجهان. حين يفشل التملق يبدأ العنف والبلطجة.
من أشكال التملق في الحملة الانتخابية الحالية:
"أخي الكريم أختي الكريمة، إن صوت الشغيلة المغربية اليوم أمانة ومسؤولية، فلا تضيعه، واعطه لمن يستحق بإرادتك الحرة وضميرك الوطني اليقظ. صوتك حق فلا تمنحه لمن يريد تغييب وعيك، وتزوير إرادتك وحقك في الاختيار. أخي الكريم صوِّت على من سيرد الاعتبار للمدرسة العمومية خدمة لأبناء وبنات الشعب المغربي" ...
تجري الحملة الانتخابية للشغالين على الفايسبوك أكثر مما تجري على أرض الواقع. خاصة أن النقابات التي قاطعت عيد العمال تجد نفسها مضطرة للعودة للغة النضال في ظرف صعب. لذا يهاجم كل حزب ونقابته باقي الخصوم بشدة مبيناً فشلهم ونفاقهم. في المغرب نقابات المعارضة ونقابات الموالاة.
في الأجواء تسخين لبداية صيف انتخابي ماراتوني - وفيه حلقات لانتخاب أعضاء مجالس الجهات، وانتخاب أعضاء مجالس الأقاليم وانتخاب أعضاء مجلس المستشارين، وهو مسك الختام - حذّرَ قيادي من حزب "الأصالة والمعاصرة" (المقرب زعيمه من الملك) من "أن العنف اللفظي هو مقدمةٌ للعنف المادّي".
أما في الحقل التعليمي، فرغم التعليمات بدأ العنف، ففي هذه الأثناء تجري في الثانويات فروض المراقبة المستمرة، ويبدو أن هناك معركة للحصول على علامات سهلة. وقد نشرت الصحف خبريْن.
أقدم تلميذ في الثانوية التأهيلية في مدينة فاس على مُحاولة قتل أستاذ يُدرسه مادة الرياضيات. كان يرغب في ضرب أستاذه بسلاح أبيض من الحجم الكبير إلا أن مُحاولة الأستاذ حماية رأسه أدت إلى بتر جزء من ذراعه". السبب؟ منع الاستاذ التلميذ المُعتدي من الغش في الامتحان، وحين هدده التلميذ، تقدم الأستاذ بشكوى للشرطة. حالياً الأستاذ في المستشفى والتلميذ فار.
ثم، "أقدم تلميذ في الثانوية التأهيلية في فاس على تكسير أنف أستاذه في مادة اللغة الإنكليزية، حيث أصابه بكسر مزدوج فخضع لعملية جراحية مستعجلة". السبب؟ محاولة الأستاذ فرض جو من الانضباط وعدم الغش، الشيء الذي أثار حفيظة التلميذ الذي لم يتهيأ كعادته للفرض المحروس، فتأجج غضبه.
جرت الجريمتان في مدينة فاس، وهي العاصمة العلمية والروحية للمملكة المغربية. يبدو أن الغش قد وصل إلى الروح. وبالمناسبة انقض المعلقون في الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي على المدرسة العمومية لتأكيد فشلها. يحدث هذا كل مرة تقع أزمة يتابعها الإعلام. اشتكى عبد الله ساعف من تناول التعليم في النقاش العمومي. وقد اتهم ساعف التقارير المنشورة عن التعليم بأنها سجينة القصور المنهجي ومشبعة بالأحكام المسبقة. تقارير تغذي "خطاباً أزموياً" و "إيديولوجية كارثية" تهيمن على القطاع. بل إن نقد النظام التربوي أصبح يتم بشكل تلقائي وبكيفية ليست مفكَّراً فيها في كثير من الأحيان. وقد فسر ساعف هذا النقد الشديد بحجم انتظار المغاربة من المدرسة.
وبسبب هذا الانتظار يكون نقد المدرسة شديدا بينما يُنسى غشاشو الانتخابات بسهولة. يتم التسامح مع الغشاش السياسي بالرغم من تشابه التنشئة الاجتماعية للتلميذ وللسياسي. ومن الخصائص القيمية المشتركة لسلوكهما اعتبار الغاية الخسيسة مبررة حين تحقق النجاح. وهناك طبعاً الاتكال واعتبار النزاهة بلاهة والغش شطارة. وأيضا توقع الإحسان من الآخر. فالحسنة بعشرة أضعافها. لذا يتم استفزاز طيبة الآخر وشهامته ليخرق القانون ويكون مُحسناً. وهنا تستخدم اللغة الدينية والدعوات بكثافة.
وبمناسبة اللغة الدينية، فاللهم بلغنا شهر الانتخابات وأعنَّا على تجنب آثام الانتخابات السابقة من دون أن تصير الكلمات العنيفة أفعالا في الحقل السياسي. آمين.

للكاتب نفسه