رموز التاريخ بين الحقائق والأساطير بمنتدى الثلاثاء

بعض الكتابات التاريخية لا تعدو كونها نسجت من خيال ثم تحوّلت إلى فلكلور ثم صار تاريخاً متلبساً بالدين
2017-11-30

شارك

عن "منتدى الثلاثاء الثقافي"

 

في أمسية حوارية ثرية، أقام "منتدى الثلاثاء الثقافي" ندوته الرابعة للموسم الثقافي الثامن عشر تحت عنوان "أسطرة الرموز التاريخية.. الأسباب والنتائج" باستضافة الباحث في التاريخ الاسلامي الشيخ علي الفرج، وذلك مساء الثلاثاء 10 ربيع الأول 1439هـ الموافق 28 نوفمبر 2017م بحضور لافت من الحضور بينهم شخصيات ثقافية واجتماعية.
 
وقد صاحب الندوة معرضاً للوحات الفنانة التشكيلية زينب البو سعيد، التي تحدثت عن تجربتها التي حفزتها منذ سنوات الطفولة أجواء التشجيع العائلي ثم نمت مع توجهها للدورات الفنية المتخصصة، كما أشارت إلى تأثر تجربتها بالبيئة الأمريكية أثناء دراستها الجامعية هناك. من جهة أخرى، كرم المنتدى الطالب بمدرسة الهدى المتوسطة بصفوى علي زكي السادة الحائز على المركز الأول على العالم العربي وتركيا في مسابقة الحساب الذهني في صيف 1438هـ.
 
بدأت الندوة التي أدارها الكاتب الأستاذ عبد الباري الدخيل معرفا في افتتاحيته بالباحث الشيخ علي عبد الله الفرج الذي جمع إلى جانب دراسته الدينية الاهتمام بالبلاغة والشعر فصدر له ديوان "نسج المرايا" وكتاب "تكوين البلاغة" و "كائن اللغة" هذا إلى جانب عضويته في دار المصطفى لإحياء التراث ودوره في التثقيف الاجتماعي.
 
افتتح الشيخ علي الفرج حديثه بالإشارة إلى أن حديثه يتركز حول بعض مضامين كتابه الصادر مؤخراً عن منشورات بيت الحكمة الثقافي "العباس بن علي  ... بين الأسطورة والواقع"، قائلاً بأنه يطمح لأن يكون هذا الكتاب نموذجاً لسلسلة من الدراسات التي تعنى بتنقيح الروايات التي تنقل أقوال ومواقف الشخصيات التاريخية بكل أمانة ودقة، داعياً العلماء المهتمين بالتحقيق للتعاون معه في هذا السبيل لما له من أهمية في تشكيل الوعي بتلك الشخصيات المؤثرة في التاريخ على أساس من الحقيقة والمعلومة الصحيحة. الشيخ الفرج أشار كذلك إلى أن بداية مشوار الدراسة حول شخصية العباس بن علي قادته للتفكير في التأليف حول هذه الشخصية دون أن يحدد معالم واضحة لمسار البحث، غير أن تتبعه للمصادر التاريخية وربط المرويات ببعضها بالتحليل، أظهرت له نتائج مذهلة في عدم صحة كم هائل من الأقوال والروايات المنسوبة لهذه الشخصية البارزة في معركة كربلاء التاريخية، الأمر الذي دعاه للتوسع في البحث للإحاطة بتفاصيله.
 
تطرق الشيخ الفرج بعد ذلك لمنهجيته البحثية في المصادر التاريخية والحديثية بالقول بأن معالجة الحوادث المبكرة في التاريخ الإسلامي وتوثيقها يتطلب الرجوع إلى المصادر التي أرّخت لتلك الفترة مع عدم الركون إلى أي مصدر إلا بعد التأكد أنه معاصر لتلك الأحداث أو أن الراوي ممن عاصر الحدث. وأضاف أن الروايات المنقولة دون سند كعبارة "عن بعض الأصحاب" أو "نقلها بعض الثقات"، بالإضافة إلى المصادر التي لم يتم العثور على ما يؤيدها من المصادر القديمة فيتم رفضها، موضحاً بأن الرواية التاريخية القديمة قد تقبل ــ  كتاريخ ــ حتى ولو لم تكن مسندة، إلى أن يتبين عدم صحتها. من جهة أخرى أشار الشيخ الفرج إلى أن أغلب الروايات المجهولة المصدر والتي تصل نسبتها إلى 70% تتركز في الكتب التي دونت في القرن العاشر الهجري وما تلاه، ومنها كتاب "البحار" للمجلسي.
 
ولفت المحاضر النظر إلى البون الشاسع بين الروايات في المصادر التاريخية القديمة عن المصادر الحديثة التي تتحدث عن تفاصيل واقعة كربلاء وشخصياتها، وأورد في هذا السياق جملة من الأقوال والمواقف التي توصل من خلال البحث أنها لا تمت للشخصيات التي نسبت إليها حول العباس بن علي ووالدته أم البنين، موجهاً نقده الشديد لبعض تلك المصادر ككتاب "أسرار الشهادة" للشيخ الدربندي وكتاب "روضة الشهداء" للحسين الكاشفي البيهقي، مبدياً أسفه لقبول بعض القامات العلمية لهذه المرويات بدون تحقيق علمي، منتقداً بعضهم بأنهم لا يقرأون التاريخ قراءة فاحصة.
 
وتطرق لخمسة عوامل اعتبرها الباحث الفرج أسباباً جوهرية لوجود الروايات الضعيفة في المصادر الحديثة، وهي غياب التحليل التاريخي لواقعة كربلاء لأصحاب هذه المصادر وتركيزهم على الجانب المأساوي للواقعة وإهمال الظروف والأهداف المرتبطة بالحدث وما تلاه من نتائج، وثانياً طرح القضية الحسينية من قبل الخطباء بطريقة أقرب إلى الصورة الشعبية التي تركز على حكايا البطولات الأسطورية، وثالثاً تأثر المصادر الحديثة بالأحاديث المختلقة والموضوعة كون معركة كربلاء لها جانب ديني لارتباطها بالإمام الحسين، ورابعاً تصوير الخطباء لتفاصيل الحدث بالأبيات الشعرية المليئة بخيالات تعبر عن "لسان الحال" وتتحول إلى لسان المقال ومع تكرارها تنتقل في ذهن المتلقي بأنها أحداث وقعت وأقوال قيلت، وأخيراً عدم وجود مؤسسات علمية يتدرب فيها الخطيب على تحقيق الحوادث التاريخية، داعياً إلى أهمية الالتزام بالأمانة العلمية في مراجعة ونقل الموروث الروائي.
 
وأوضح الشيخ الفرج بكثير من الجزم والقطعية بأن القرن العاشر الهجري الذي شهد صراعاً مذهبياً شرساً هو الفترة الزمنية التي كثر فيه الوضع واختلاق الروايات وكذلك نسبة بعض الأقوال المأثورة أو المواقف البطولية لشخصيات واقعة كربلاء وهي لم تصدر عنهم، أو صدرت من غيرهم وتمت نسبتها إليهم، محملا حكام الدولة الصفوية التي برزت في ذلك القرن مسئولية تغلغل المرويات المختلقة في ثقافة الأمة، حيث كان من ممارسات الحكام الصفويين عقد مجالس عاشورائية رسمية، وكانوا يأمرون العامة بالأخذ بما يطرحه الخطباء في مجالس العزاء التي يقيمونها في أروقتهم.
 
بدأت جولة المداخلات بمناقشة مدير الندوة الأستاذ عبد الباري الدخيل للمحاضر في رفضه التمجيد بشخصيات بطولية بنسبة بعض المواقف المتخيلة لها، حيث أجاب الباحث الفرج بأن ذلك مخالف لقيمة الصدق والأمانة في النقل، وأن الأمر إذا تُرك فسوف يتسع لاختلاقات تفقدنا الاستفادة من الدروس الحقيقية لواقعة كربلاء. وأشادت الأستاذة هدى القصاب بموضوع الندوة وانتقدت المحاضر في اختياره لأمثلة واقتباسات كربلائية تعتبر هامشية فالعباس بن علي لن تتغير النظرة حوله برفع بعض الأقوال المنسوبة له، وطالبت الباحث الفرج بالتركيز على الأدوار التي قامت بها بعض شخصيات كربلاء وتم افراغها من مضمونها كدور السيدة زينب بنت علي. وأشاد الأستاذ محمد الماجد بجرأة طرح الشيخ الفرج مبدياً تشككه في الحكم على صحة أو خطأ الرواية بشكل قطعي في ظل المئات من كتب المرويات، وأشار إلى أهمية فرز الروايات التي روجت لأغراض سياسية، لأنها حالة قابلة للحصول حتى في زمننا المعاصر.
 
الكاتب والصحفي حبيب محمود دعا إلى ضرورة تعزيز الوعي العام بحقيقة بعض الكتابات التاريخية فهي لا تعدو كونها نسجت من خيال ثم تحولت إلى فلكلور فأصبح تاريخاً متلبساً بالدين، مستدركاً أن بعض المواقف النابعة من الشيم الأخلاقية حصلت فعلاً في واقعة عاشوراء ولكن من غير المستغرب صدور مواقف شبيهة لها في التاريخ في ظروف تكون عصيبة كظرف كربلاء، مشيداً بأهمية البحث للشيخ الفرج حول العباس بن علي. وأشاد الكاتب أمين الصفار بكتاب الشيخ الفرج طالباً توضيح مصدر لبعض المعلومات لواقعة كربلاء الواردة بالكتاب، كما ناقش الأديب والباحث السيد عدنان العوامي المحاضر في المعيار الذي استند عليه في قبول الروايات التي سبقت القرن العاشر ورفض الروايات اللاحقة، مشيراً إلى أن القراءة الحسينية بعلاتها وُجدت قبل الدولة الصفوية، متسائلاً عن منهجية المحاضر في البحث التاريخي ومدى قربها من آلية البحث الفقهي.
 
وناقش الأستاذ محمد جعفر المسكين رفض المحاضر لصحة مقولة السيدة زينب بنت علي بعد مقتل أخيها الحسين "اللهم تقبل منا هذا القربان"، كما ناقش الأستاذ حسين العلي فكرة المحاضر حول الموقف من نسبة أقوال أو مواقف بعض أئمة أهل البيت لبعضهم الآخر بناءَ على نظرية وحدة النور، وتحدث الأستاذ مؤيد الزاير في مداخلته إلى أهمية التثبت في إنكار بعض المرويات التاريخية الواردة لأنها قد تكون نصاً دينياً لا تاريخياً، كما اختلف الشاعر أحمد الخميس مع المحاضر في توصله لجعل الحقبة الصفوية معياراً للفصل بين المقبول والمرفوض في الروايات لأن الوضع والاختلاق وجد قبل تلك الحقبة. وتحدث الكاتب محمد الشافعي مرجحاً صحة ما توصل إليه الكاتب حول حقبة الدولة الصفوية لأنها كانت فترة تركيز هوية جديدة، وأن صناعة الهوية تركز على الأشخاص، كما أوضح الأستاذ أحمد بزرون في آخر المداخلات بأن المرجعيات الدينية تعتبر مدارس مختلفة في النظر إلى التاريخ، مشيداً بتوجه بعض مراجع الدين وكذا بعض المراكز العلمية في تحقيق التراث والمرويات التاريخية.