الداعشيون بالقوة ينتقلون إلى الفعل في طنجة

طنجة مدينة كوسموبوليتية. هذه صورة تتآكل. صورة وثقها فيلم قصير لأندري زووبادا Zwobada في 1946 اسمه «طنجة مدينة دولية». على امتداد ربع ساعة، حاول المخرج إعطاء صورة عن طنجة كمدينة عصرية مفتوحة، يتجلى فيها الحضور الدولي على مستويات عدة، حيث نجد الأديان متعايشة، العمران مزدهر، البريد متنوع، عملات تُصرف بحرية... كان هذا في منتصف القرن العشرين. ينتهي الفيلم بتساؤل قلق حول مستقبل
2014-09-03

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
من الانترنت

طنجة مدينة كوسموبوليتية. هذه صورة تتآكل. صورة وثقها فيلم قصير لأندري زووبادا Zwobada في 1946 اسمه «طنجة مدينة دولية». على امتداد ربع ساعة، حاول المخرج إعطاء صورة عن طنجة كمدينة عصرية مفتوحة، يتجلى فيها الحضور الدولي على مستويات عدة، حيث نجد الأديان متعايشة، العمران مزدهر، البريد متنوع، عملات تُصرف بحرية... كان هذا في منتصف القرن العشرين. ينتهي الفيلم بتساؤل قلق حول مستقبل المدينة وإلى أين ستكون وجهتها، إلى الشمال أم إلى الجنوب؟هذه الأيام، نشرت وسائل إعلام مغربية غير حكومية خبر قيام «جماعة النهي عن المنكر» بجلد شاب في مدينة طنجة لأنه شرب خمراً ليلاً. وقد تقدم الشاب بشكوى للبوليس فاعتقل اثنين من تلك الجماعة التي كلفت نفسها القيام بجولات بعد الفجر لمعاقبة مستهلكي الكحول. والدليل والحجة هي رائحة الكحول في الفم.قيل لنا إن هذا نادر والإسلام دين محبة لا عنف... وكتبت الصحف تفسيرات من قبيل: انقطعت الكهرباء في القاهرة لأن الطماطم المغربية وجدت طريقها إلى روسيا بسـبب عقـوبات أوكرانيا.
الحل؟ يجب ترحيل صافيناز إلى الســودان. نســتهلك مثل هذا التعليلات الزائفة يومياً في وسائل إعلام تحلل وتلامــس العمق وتضعكم في الصورة... بفضل خبــراء إســتراتيجيين تفاجئهم الوقائع كل يوم ولا يخجلون. هــل يحــق لمن فوجئ أن يُفسر؟
حظي خبر الجلد بتعليقات مؤيدة له (للجلد). هذا تصنيف لعيّنة منها على موقع «هسبريس». يقول التعليق الأول إنه في في غياب المخزن (السلطة) واشتراكه في تجارة المخدرات وأخذ الرشوة... فأتمنى ان يستمر الإخوة في الحفاظ على تربية المدينة. وقد استحق التعليق 279 لايك. يقول الثاني «يا ريت لو يجلدوا المتحرشين بالبنات» وقد استحق 521 لايك. يقول الثالث «اتمنى وجود هذه الجماعة في كل مدن المغرب، خصوصاً الساحلية والسياحية» وقد استحق التعليق 35 رفضاً لهذا الموقف (ديسلايك). يقول الرابع «أولا يجب التأكد من صحة الخبر» استحق 96 لايك. يقول الخامس «ألاحظ انه كلما حدث شيء من المخالفة لدين الله أو غُلوّ فيه تقوم الصحافة بنسبه للسلفية» استحق 167 لايك، يقول السادس «السلفية براء من هذا الفعل» استحق 169 لايك، يقول السابع «يبدو أن البُعبع السلفي أقض مضاجع هؤلاء، ويريدون تنفير الناس منه بهذه الأكاذيب البهلوانية» واستحق 51 لايك. كذّب المعلق الخبر الذي نشره الفاسقون، ولا يعترض على فعل الجلد. يقول الثامن «يجب مساندة هذه الجماعات بالتبرعات لأنهم يطبقون شرع الله وهذا حسن لإصلاح أحوال البلاد» واستحق 27 رفضاً (ديسلايك).
لقد حصل المساندون على أكثر من 2000 لايك.
أما التعليقات المعارضة للجلد فهي قليلة، ونعرض لثمانية منها من باب الموازنة.
يقول التعليق الأول «هذه خلايا داعش بدأت تصحو لتجس نبض المجتمع المغربي والمخزن على حد سواء». وقد استحق 29 رفضاً (ديسلايك)..
يقول الثاني «طنجة تتجه إما أن تكون الرقة السورية او الموصل العراقية تُحكم بقوانين الداعشية الغريبة» وقد استحق 2 لايك.
يقول الثالث «أتمنى من الدولة والشعب المغربي إنزال أشد العقوبات على أتباع السلفية الصهيونية الجاهلية وإلا فما ترونه اليوم سيتحول سريعاً الى داعش وبوكو حرام، سيخرّبون البيوت» استحق 6 ديسلايك.
يقول الرابع «أتذكر احد أصدقائي كان اندمج في جماعة ظلامية وبعدها عاد الى رشده... قال لي: حين كنت مع اولئك الناس كنت اعتقد أنني استطيع ذبح أي شخص اذا ارتأيت انه يستحق ذلك»! وقد استحق 18 لايك.
يقول الخامس «هؤلاء الأميون يقدمون صورة مشوهة عن الإسلام في القرن الواحد والعشرين، الأمم تتنافس في العلوم والتكنولوجيا ونحن نتظاهر بأننا ندافع عن دين الله» وقد استحق 6 لايك.
يقول السادس «طنجة ليست هي «البولفار» و«ساحة فرنسا»... طنجة هي أحياء «بني مكادة» و«مسنانة» و«حومة الشوك»، إذا دخلتها تجدها تورا بورا» استحق 10 ديسلايك.
يقول السابع «عندما اقرأ بعض التعليقات يتبين لي جلياً أن هذا البلد (المغرب) سيؤول للخراب لا محالة» وقد استحق 12 ديسلايك. فالجلد في الشارع بالنسبة لمؤيديه ليس خراباً بل صلاح.
يقول التعليق الثامن «السبب هو غياب الشرطة. يجب اعتقال هؤلاء المتشددين»، استحق 6 لايك. والملاحظ أن التعليقات المعارضة جلها مكتوب بالفرنسية، وبعضها لنشطاء الحركة الأمازيغية المتعاطفة مع الأكراد الذين ينقذون العراق الآن. حتى أن شاعرة أمازيغية عرضت نفسها لجهاد النكاح مع البيشمركة.
لم تصل التعليقات المعارضة للجلد حتى مئة لايك. حسابياً، إذا نزل خصوم الجلد وأنصاره للشارع المغربي فسيكونون 5 ضد 95، وستكون نتيجة المواجهة ساحقة. لكن بفضل الجيش والشرطة لا يقع هذا.هذه معطيات وليست وجهة نظر. وكل تدخلي هو مونتاج التعليقات أي ترتيبها بطريقة توضح معناها بقوة.
يفسر المحللون المتثاقفون ظهور داعش بالمخابرات الأميركية. لكن الكثير من مؤيدي الجلد في المغرب لا يعرفون أين تقع أميركا على الخريطة، لذا فأطروحتي هي أن داعش نتاج محلي للمجتمعات الإسلامية. يجب معالجته هنا والآن، أو سيعم الخراب من طنجة حتى جاكاراتا. وقد صار لطنجة وجهان: شمالي وجنوبي. ومن يزر المنطقة المضاءة في طنجة يسحره البحر والشوارع المبلطة جيداً والفنادق الشاهقة التي تطل على إسبانيا. هنا الفخامة والاتساع والحداثة وقليل من الزحام.
لكن لطنجة الجنوبية وجه آخر. الأحياء الخلفية التي أخاف من المرور فيها، لأن فيها زحام خانق كريه، مع القليل من الضوء والكثير من الظلام. ظلام بالمعنييْن المباشر والمجازي.

مقالات من المغرب

للكاتب نفسه