كيف تُحَل مشكلة الاكتظاظ في الجامعة المغربية؟

يقصد الطالب مكتب التسجيل في الكلية. يطلبون منه نسخ وثائقه. يسأل عن مكان النسخ، يرشدونه بشكل معقد. يعبر ردهات ومتاهات وهو يسأل بين حين وآخر. خلف هذا السور مكتب النسخ. يقطع مسافة. بل خلف السور الثاني. يبدأ الشك ويكتشف الطالب أن الكلية ليست بناية واحدة بل مباني متجاورة شيدت على فترات... كل مرة يضيفون مدرجا أو قاعات ويفتحون بابا في السور الأصلي. من خلال هذه الترقيع المعماري يكتشف الطالب روح
2013-10-09

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك

يقصد الطالب مكتب التسجيل في الكلية. يطلبون منه نسخ وثائقه. يسأل عن مكان النسخ، يرشدونه بشكل معقد. يعبر ردهات ومتاهات وهو يسأل بين حين وآخر. خلف هذا السور مكتب النسخ. يقطع مسافة. بل خلف السور الثاني. يبدأ الشك ويكتشف الطالب أن الكلية ليست بناية واحدة بل مباني متجاورة شيدت على فترات... كل مرة يضيفون مدرجا أو قاعات ويفتحون بابا في السور الأصلي. من خلال هذه الترقيع المعماري يكتشف الطالب روح الجامعة. وحين يصل لمكتب النسخ يجلده مغلقا. السبب: انتهى العقد الذي يربط الكلية بالشركة، وسيتم تجديده.
هذه حالة عاشها الكثير من الطلبة الجدد. للإشارة، في 1999 حصل أكثر قليلا من 77 طالبا مغربيا على البكالوريا. في 2009 كانوا 104 آلاف وبضعة. في 2011 كان عددهم 158 ألفاً وكسورا. أما في 2012 فبلغ عدد الحاصلين على الشهادة اكثر من 210 آلاف، تتوجه الأغلبية المطلقة منهم للجامعات والمعاهد العليا. فماذا يجدون في استقبالهم؟
يجدون 112 مؤسسة جامعية، منها 4 كليات للتعليم الأصيل، 14 كلية للاقتصاد والحقوق والعلوم الاجتماعية، 14 كلية للآداب والعلوم الإنسانية، كلية للتربية وأخرى للترجمة. و8 معاهد لتكوين الأساتذة. تستقبل الجامعات أكثر من 70 في المئة من الطلبة لأن جلها يقبل طلبة حصلوا على البكالوريا بمجموع نقاط متدن يصل الى 50 في المئة. في هذه المؤسسات، يتزايد الطلبة بنسب تتراوح بين 10 و17 في المئة سنويا. بينما في مؤسسات النخبة، التي تطلب مجموع نقاط يساوي على الأقل 80 في المئة، فإن نسبة الزيادة نادرا ما تصل الى 2 في المئة.
في 2012، استقبلت الجامعات المغربية 200 ألف طالب، في البنايات نفسها تقريبا وبطاقم تدريس أقل. ولتجاوز مشاكل الاكتظاظ، يجري توسيع عمراني ترقيعي، وتوسيع بشري بتعيين مدرسين مؤقتين يعمل كثير منهم في التعليم الثانوي. في كثير من الحالات، لدى أستاذ واحد 1300 طالب، وعليه تصحيح أوراق الامتحان. اعترف أستاذ بأنه يصحح دون أن يقرأ كل الورقة. قلت له سيكون الطلبة ضحية، أجاب «حتى أنا ضحية التقشف. يحتج الناس على غلاء الغاز ولا يحتجون على تدهور التعليم. تهمل الحكومة التعليم وتخصص المليارات لدعم ثمن الغاز».
في هذه السنة، سيتم توظيف 1000 أستاذ جامعي جديد. في بداية الموسم الدراسي الحالي تحدث رئيس إحدى الجامعات عن وضع خريطة طريق العام الدراسي بعد انطلاقه.
بعد الإحصاء جاءت المعاينة. قصدتُ ردهات الكلية لتسجيل التفاصيل التي تمنح دسما للإحصائيات. كثر لابسو الجلابيب في الردهات. صار المكان أقرب إلى جامع منه إلى جامعة. هناك أيضا طلبة يكرهون السياسة بقدر ما يحبون الموضة. أزور الجامعة وقد غادرتها منذ عشرين سنة. سألت طالبا: كيف وجدت الجامعة؟ «مملة شيئا ما. القلة القليلة من الطلبة تأتي للدراسة والأغلبية للاستجمام. صراحة ليس هناك جو للدراسة. أصبحت الجامعة مرفأ أو بوابة لعوالم أخرى. لا أجد راحتي في الكلية، لكن ليس هناك بديل للاسف».
البديل حصل عليه أبناء النخبة، بعد أن صارت الجامعة شعبية أكثر من اللازم. يشرح أستاذ جامعي - قضى 35 سنة مدرسا - أسباب ونتائج تدهور الوضع في الجامعة:
ـــ توقف أو تراجع أعداد المجلات العلمية التي تصدرها الكليات.
ـــ تدهور مستوى المادة العلمية في هذه المجلات. مثل مجلة «هسبريس تمودا» التي كانت مرجعا دوليا.
ـــ توقف اللقاءات والندوات أو تباعدها بشكل كبير.
ـــ فقدت الأطروحات التي تناقش قيمتها ووهجها إلا في ما ندر.
ـــ لا تصدر في المغرب كتب ذات قيمة في مجالات علم الاجتماع والجغرافيا والاقتصاد.
ـــ الروابط ضعيفة بين الجامعة ومختلف القطاعات الاقتصادية.
ـــ ضعف الاستثمار في البحث العلمي.
ـــ تدهور مستوى تمكن الطلبة من اللغات الأجنبية، ما يعرقل وصولهم لمصادر البحث.
ـــ توقيف بعض الفروع في بعض شِعب «السلك الثالث» (بعد الماستر) بسبب قلة المؤطرين.
ـــ تنعكس قلة الأساتذة على التقويف. ففي مدرج من مئة طالب يكون هناك أستاذ واحد حارس أو اثنان. وأحيانا يتولى طلبة الماستر حراسة طلبة السنة الأولى. ماذا تعني بالحراسة؟
ـــ يضعف الاكتظاظ التحصيل.
فالنتيجة تصير سببا لمشكل آخر. يطرح السؤال: من المسؤول وما العمل؟ التعليم قطاع يريد الجميع إصلاحه. لكن أبدا لم تتم محاسبة أي مُصلح. بل يمضي ويخلفه مُصلح، وهكذا...
عادة يتهم وزير التعليم العالي بأنه سبب الأزمة ويرتاح الجميع. وعندما يرحل الوزير تبقى المشاكل التي كانت من قبل. ثم يتهم الوزير التالي عليه. المهم، هناك مشجب جاهز يعلق عليه كل شيء فيرتاح الجميع. للرد يرسل الوزير لجان تفتيش المباني والتجهيزات وصرف الميزانيات، ويخشى فحص الموارد البشرية وطرق عملها. التحقيق في الاسمنت والتجهيزات أسهل من فحص جلد البشر.
مؤخرا صادقت الحكومة على «مشروع القانون بإحداث وكالة وطنية لتقييم التعليم العالي والبحث العلمي». مهمتها مراقبة مؤسسات التعليم العالي العمومية والخاصة من حيث مسار التكوين والاعتماد ومراكز البحث والدكتوراه سنويا. سنرى متى ستنتقل هذه الوكالة من الورق إلى الواقع. في انتظار ذلك اعترف الأستاذ الجامعي الذي حاورته بأن هناك وزراء تعليم مبدعين. أحدهم وجد حلا لوجود جامعة واحدة في الرباط وهي غير كافية. فكيف تنشئ وزارة التعليم العالي جامعة جديدة؟ هناك جوابان: جواب مستورد: أي الترخيص لعدة جامعات أجنبية بفتح فروع لها في المغرب. جامعات بأقساط مالية لأن المجانية صارت رديفا لقلة الجودة. وهكذا ستتعلم الجامعات المغربية روح المقاولة وتقبل التقييم بقانون السوق.
الجواب الثاني صنع محلي: تقسيم جامعة الرباط وإعطاء كل نصف اسما. ولما لم يعرف الوزير كيف يقسم خزانة كتب كلية الحقوق ــ وهي مهمة جدا ـــ أغلقها لثلاث سنوات. وختم محاوري: هذا كمن له طفل واحد وقسمه ليكون له طفلان!

مقالات من المغرب

للكاتب نفسه