المسجد مغلق الآن، يُرجى العودة مع الأذان

انتهت الصلاة للتو في رحاب أكبر مسجد في المغرب. غادر المصلون. بقي شيخ فطلب منه أحد المراقبين مغادرة المكان. أغلق المسجد. جلس الشيخ في الباحة الخارجية ورأى أجانب يدخلون المسجد من باب جانبي. سأل أحد المراقبين فقال له إن هؤلاء سياح يدفعون ثلاثين دولارا لزيارة مسجد الحسن الثاني، وان بإمكان الشيخ الدخول مجانا للمسجد في أوقات الصلاة.هكذا تغلق المساجد بين الصلوات. وهذا أمر جاري العمل به في
2013-10-09

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
| en
مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (من الانترنت)

انتهت الصلاة للتو في رحاب أكبر مسجد في المغرب. غادر المصلون. بقي شيخ فطلب منه أحد المراقبين مغادرة المكان. أغلق المسجد. جلس الشيخ في الباحة الخارجية ورأى أجانب يدخلون المسجد من باب جانبي. سأل أحد المراقبين فقال له إن هؤلاء سياح يدفعون ثلاثين دولارا لزيارة مسجد الحسن الثاني، وان بإمكان الشيخ الدخول مجانا للمسجد في أوقات الصلاة.
هكذا تغلق المساجد بين الصلوات. وهذا أمر جاري العمل به في المغرب منذ سنوات. بينما تعرف مصر حاليا جدلا شديدا بعدما قررت وزارة الأوقاف المصرية وقف صلاة الجمعة في أماكن معينة، ووضع شروط للاعتكاف، وأن صلاة الجمعة لن تجري إلا في مساجد وزوايا تزيد مساحتها عن ثمانين مترا، كما ألغت الوزارة تصاريح 55 ألف إمام بهدف تجديدها، مما سيخضعهم للغربلة. وستشغل الوزارة المصرية 3000 إمام من متخرجي الأزهر...
القرار أغضب السلفيين والإخوان، لأنهم سيفقدون منابر المساجد وسيضطرون للانتشار كلما قُضيت الصلاة. من جهته، انتقد محمد العريفي ــ وهو منتج ومصدر فتاوى عابرة لحدود الدول ــ منع أهل العلم من الملتزمين والشيوخ من ممارسة الدعوة إلى الله والخطابة في المساجد، بحجة أنهم لم يحصلوا على مؤهلات أزهرية.
لم يعد الخطاب الديني عن الصلاة كافيا لتبرير القرارات. فقد كشف وزير الأوقاف المصري «سيطرة بعض الجماعات والفصائل على كثير من المساجد». وللتوضيح قال الوزير المصري إن «قصر صلاة الجمعة على المساجد الكبيرة قضية أمن قومي ووطني».
هذا اكتشاف مصري متأخر لموقع المعركة. في المغرب تتحدث وزارة الأوقاف عن «الأمن الروحي». لذلك تغلِق المساجد بين الصلوات وتمنع الاعتكاف والأكل والنوم فيها. وهكذا أخرجت الإسلاميين من المساجد فجعلتهم مكشوفين. وهذه سياسة منتهجة منذ ثلاثة عقود. وقد احتج عليها أتباع جماعة العدل والإحسان بالصلاة في الشواطئ للفت الانتباه، وذلك في تسعينيات القرن الماضي.
إضافة إلى إغلاق المساجد، تتخذ وزارة الأوقاف المغربية إجراءات. إذ يجب تقديم طلب للوزارة للموافقة على بناء مسجد. ويخضع فتح المساجد، أيا كانت الجهة المشرفة على بنائها، لتصريح كتابي مسبق توجهه الجهة الراغبة في ذلك إلى الوزارة. وحتى لو لم يكن المكان مسجدا فلا بد من تصريح للصلاة فيه. تتدخل الوزارة كذلك في تسمية المساجد: «تختار أسماء المساجد من بين أسماء الله الحسنى وصفاته العليا أو أسماء الصحابة. ولتغيير اسم مسجد، لا بد من استشارة الوزارة وموافقتها. ولا يجوز تسمية أي مسجد باسم مشيده».
النتيجة: لا توجد مساجد خاصة بالمغرب. المساجد عمومية ولا مجال لخصخصة الحقل الديني.
هذا عن سياسة المساجد كجدران، أما عن غربلة من سيتولاها فللوزارة شروط: «لا يمكن توظيف أي شخص بموجب عقد يبرم مع الدولة للقيام بمهمة إمام أو مرشد أو مرشدة في المساجد إلا إذا كان مستوفيا للشروط التالية:
- أن يكون بالغا من العمر 45 سنة على الأكثر عند تاريخ إبرام العقد.
- أن يكون متمتعا بحقوقه المدنية ومتصفا بأخلاق حميدة (تسحب وثيقة الحقوق المدنية من مكاتب الشرطة، أما صفة الأخلاق فلا وثيقة تثبتها).
- أن يتم انتقاؤه بعد إعلان لتقديم الترشيحات، وفق الشروط المحددة بقرار السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف والشؤون الإسلامية.
- أن يجتاز بنجاح دورة تكوين الأئمة أو المرشدين والمرشدات.
بعد الغربلة تأتي المراقبة، «فإذا عاينت السلطة الحكومية أن إماما أو مرشدا أو مرشدة لا يفي بالمهام الموكلة إليه (ها) وفقا للمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية (...) فيمكن اتخاذ الجزاءات المترتبة على ذلك لا سيما إنهاء العقد في أي وقت مع مراعاة تبليغ المتعاقد».
ونادرا ما يحصل التوقيف، لأن الغربلة فعالة وتمكِّن الوزارة من تعيين أئمة قليلي الكلام، لا يخلقون لها المشاكل كما للمجتمع ولأنفسهم.
تُبْعِد الوزارةُ الأئمةَ الذين يتعاملون مع الإعلام ويعلقون على ما يجري من الدار البيضاء حتى جاكرتا ويتسلحون بسلطة الصحافة ضد الوزارة التي وظفتهم. السبب؟ تنزعج وزارة الأوقاف المغربية من النفوذ الديني العابر للدولة القومية. هي تخضع الفتاوى الخارجية للجمارك، ولا يرد العلماء المغاربة على «المفتين الدوليين» مثل القرضاوي. وبذلك نادرا ما يشتبك الحقل الديني الوطني المغربي مع «الأممية الإسلامية».
هكذا تراقب وزارة الأوقاف المغربية مجالها. وهي لا تترك مواقع خالية يُحتمل أن يملأها من «لا يُؤمَن جانبه»، لذا تحرص الوزارة على النهوض بالمسجد ودوره في حياة الإنسان المسلم، وتوزيع مجموعة من الحاجيات والمستلزمات المتعلقة بالمساجد، وتحرص كذلك على إقامة حفلات دينية، واطلقت حملة واسعة للنظافة بالمساجد. وحين تقوم الدولة بهذه المهام، فهي تقطع الطريق على المتطوعين الذين لا تعرف نواياهم. هكذا يتم إخراج بيوت الله من الصراع. ويحرم الإسلاميون من حاضنة ومخبأ، فيسهل كشفهم. وقد تبنى الفريق عبد الفتاح السيسي هذه السياسة في مصر.
في المغرب نجحت الخطة، وبفضلها نادرا ما تقع مخالفات على المنابر. تمارس سياسة المساجد في المغرب إذاً بالدفع المسبق لتجنب أي مشاكل لاحقة. وتنتهي كل خطب يوم الجمعة على منابر المملكة بالدعاء لأمير المؤمنين بالنصر والتمكين. آمين. 

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه