الغرافيتي سياسي فــي مصـــر وتجـريـــدي فــي المـغـــرب

باطن سور الثانوية نظيف، لكنه من الخارج مملوء بالرسوم الاحتجاجية والكتابات وأسماء التلميذات والمشاعر تجاههن. الشبان يرسمون وإدارة المؤسسة التعليمية تبيض الجدران لإخفاء الأوساخ وعلامات الحب والغضب. وقد تزايدت عملية الصبغ والتبييض في الفضاء العام منذ إحراق البوعزيزي لنفسه في سيدي بوزيد. في أماكن كثيرة تعب الذين ينظفون الجدران ولم يتعب الذين يرسمون عليها. في نهاية المطاف صارت الكثير من الشوارع تقدم
2012-10-03

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك

باطن سور الثانوية نظيف، لكنه من الخارج مملوء بالرسوم الاحتجاجية والكتابات وأسماء التلميذات والمشاعر تجاههن. الشبان يرسمون وإدارة المؤسسة التعليمية تبيض الجدران لإخفاء الأوساخ وعلامات الحب والغضب. وقد تزايدت عملية الصبغ والتبييض في الفضاء العام منذ إحراق البوعزيزي لنفسه في سيدي بوزيد. في أماكن كثيرة تعب الذين ينظفون الجدران ولم يتعب الذين يرسمون عليها. في نهاية المطاف صارت الكثير من الشوارع تقدم صنفين من المعارض: الصنف الأول من هذا الغرافيتي عبارة عن شعارات سياسية عنيفة، كتبت في الليل وعلى عجل، تندد بالفساد وبأشخاص لهم سلطة، وغالبا تتم إزالتها بسرعة في الصباح، خاصة في الصحراء والريف (شمال المغرب حيث انطلقت ثورة عبد الكريم الخطابي). الصنف الثاني غرافيتي غير سياسي بشكل مباشر، يتم التسامح معه، وفيه زوايا حادة، أشكال مائعة تتجاوز التعبيرية نحو التجريد، خطوط وشظايا أشكال، اندفاع تجريدي يتنكر لكل أشكال الكبح. رسوم تنبع من خيال جامح لجيل كانت الرسوم المتحركة مصدر ثقافته الوحيد. خيال يحتفي باللامعنى. مع تكرار كلمات بالإنجليزية غالبا، تلعن العالم.
هذا «رسم» ثائر على معايير الذوق التقليدي. أنجزه شبان من الطبقة الوسطى، يسكنون حيا محترما وشعرهم مدهون بـ«الجيل»، يحتجون على قضايا لانهائية، منها ديكتاتورية الذوق السليم. توجد رغبة جامحة لتخليد هذا الاحتجاج الغامض.
يحظى هذا الفن التجريدي بالدعم، إذ تتقدم جمعيات معترف بها رسميا بطلب للسلطة لتمول شراء الأصباغ، ثم يتولى فنانون إنجاز غرافيتي غير مسيس، وتأتي كاميرا التلفزة لتصور هذا الإنجاز. بهذا الشكل يدوم الغرافيتي المغربي ولا يصير مستفزا. ولأنه تجريدي، فهو مقطوع الصلة بالتعبير عن سخونة اللحظة السياسية.
في مصر، الوضع مختلف، الغرافيتي لصيق بالحدث واللحظة. يصفها ويكثف معناها. وهو يحمل وجهة نظر سياسية غاضبة غالبا، كما في رسوم ميدان التحرير في القاهرة، حيث تم تثبيت وجوه الشهداء وشعارات المرحلة: «إرحل». هذا هو فن الشارع. الشارع صنع الحدث وعبر عنه على الجدران بشكل مزدوج: ثقافي وسياسي. لذلك سيكون من الجيد أن تقلل وسائل الإعلام من تركيزها على خطاب المثقفين - وهو شكاوى تيئيسية في معظمه لتركز على فن الشارع.
فما يجري الآن، خيرا كان أو شرا تبعا لموقع من يراقب، هو ثورة صنعها الشارع ولا يد للمثقفين فيها. وقد كان قبول جابر عصفور لمنصب وزير ثقافة في آخر حكومة لمبارك دليلا على انعدام البوصلة. ثم أن كبار المثقفين لم يتوقعوا سقوط حسني مبارك وموت القذافي في حفرة.
لكن بعد أن استوى محمد مرسي على كرسي الرئاسة في مصر، صار الإخوان المسلمون يعتبرون أن بقاء الغرافيتي عامل تحريض للشباب... خاصة وأن الصور تهيج الذكريات. وقيل إنها حرام شرعا.

الحل؟

انتشر خبر يوم 19 أيلول/ سبتمبر 2012 في مواقع التواصل الاجتماعي يقول إن وزارة الداخلية المصرية أزالت رسوم «الغرافيتي» من محيط ميدان التحرير لتنظيف القاهرة. من جهتها، نفت الوزارة اشتراك الشرطة في إزالة «غرافيتي الشهداء»، وقد اعتبر النشطاء ذلك «طمسا لملامح الثورة».
طبعا حين تنتشر الزبالة على الأرصفة، وعندما يعلو سواد عوادم السيارات الجدران والعمارات، لا يستدعي ذلك نظافة. لكن الغرافيتي يحتاج تنظيفا، على أمل القضاء على المزاج الثوري الذي يهيمن على الشباب هذه الأيام.
يعتبر المنتصرون أن الثورة انتهت، وحان وقت تنظيف القاهرة للعودة للوضع الطبيعي. وفي هذا نظرة للغرافيتي كفنٍ زائل، وإزالته إعلان عن سيطرة السلطة على الفضاء العام. من جهتها تحرص الذاكرة الشعبية على تخليد جراحها ووجهة نظرها، تنشد:
«يا نظام خايف من فَرشة وقلم .. وبظلمك بتدوس ع اللى اتظلم
لو كنت ماشى فى السليم .. ماكنت خوفت م اللى اترسم
آخرك تحارب الحـيـطان .. تتشـطر ع الخطوط والألوان
لكن أنت من جواك جبان .. عـمرك مـا تبنى اللى اتهدم».
لمنع السلطة من طمس الرسوم والذاكرة الثورية، ولصالح بقاء الروح الثورية مشتعلة، أعلن عدد من النشطاء المصريين عن إقامة أسبوع تحت اسم «غرافيتي التحرير» احتل الأيام الأخيرة من أيلول/سبتمبر، للتأكيد أن الثورة لم تنته. في المغرب لم تبدأ أصلا.

مقالات من المغرب

عبد الله النديم، ثائر لا يهدأ

أشهرت البعثة البريطانية إفلاس مصر فى السادس من نيسان/ إبريل عام 1879. وفي أعقاب ذلك الإعلان، قام السلطان العثماني بعزل الخديوي إسماعيل وتولية ابنه "محمد توفيق باشا" على مصر بدلاً...

المغرب... مَن أثقلَ جيوب العيد؟

يبدو المشهد مثاليّاً، ولا شيء ينغصّه. فالملابس جديدة، والوجوه هانئة، كأن الحياة بهية والجو بديع. بل تتلوّن الجلابيب أكثر كل سنة، وتبدو أغلى تكلفة وأرفع جودة. فهل صار المغاربة أغنى،...

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...

للكاتب نفسه