الولايات المتحدة الأميركية واليونسكو: إعادة مملة!

نعم، أميركا قوة عالمية جبارة ومتغطرسة كما كانت الإمبراطوريات قبلها. ولكنها ليست دارسة فحسب، بل لن تضبط كل تفاصيل الايقاع حتى وهي مهيمنة. عاش النشاز!
2017-10-12

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
قيس سلمان - سوريا

للمرة كذا، تحرد الولايات المتحدة من اليونسكو وتعلن انسحابها من عضويتها، وقد تبعتها اسرائيل في ذلك بعد ساعات. أعلنت واشنطن الخبر يوم الخميس 12 تشرين الاول/ اكتوبر، على أن يصبح القرار نافذاً في آخر العام، وعلى أن تحتفظ الدولة المنسحبة بصفة المراقب...

وهو حرفياً ما فعلته بشكل مدوٍ في 1984! حينذاك، اصطدمت الولايات المتحدة بالتغيير الذي لحق بالعالم وجعل بلداناً كانت مستعمَرة، وبلا صوت، عضواً في الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي منظمتها الثقافية، اليونسكو. كان الجدل وقتها يخص "مهمة" تلك المنظمة، وكانت واشنطن (ومعها لندن) تعتبر أن على اليونسكو حصر اهتماماتها بالتعليم ومحو الأمية وما شابه، وتجنّب أي مواضيع لها "طابع سياسي"، وأن نقاشات حول "حقوق الشعوب" علاوة على حقوق الإنسان، وحول تساوي الحضارات والثقافات والاحتفاء بها الخ.. يخرج عن نطاقها. والسر أن في تلك الاجواء كَمن تقويض ما كان معتبراً "ال" ثقافة العليا المرجعية للعالم، أي تلك الغربية. وكان قرار الانسحاب ذاك الحصيلة الأخيرة للحرب الباردة المستعِرة بين المعسكرين حينها، ولكن وبالأخص لموجة الانعتاق من الاستعمار التي اجتاحت العالم بعد الحرب العالمية الثانية ووصلت الى قمتها في ستينات القرن الفائت. كان رئيس المنظمة حينها، السيد أمادو ماثار مبو سنغالياً.. أي افريقياً! بعده جاء فردريكو مايور، وعادت الامور الى مربع مفهوم.
... تكرر الغضب الاميركي ــ سيتكرر بالضرورة! ــ وكان سلاحه في كل مرّة الابتزاز المالي. ففي مثل أيامنا هذه من 2011، قًبلت فلسطين كعضو كامل في اليونسكو. صوتت لها 107 من أصل 194 دولة، وامتنعت 52، وكانت 14 دولة فحسب ضد القرار! ولكن هذه الاغلبية الساحقة لا تهم. فقد عاكس ذلك رغبات واشنطن التي أعلنت عن ايقاف مساهمتها المالية في ميزانية المنظمة، وهي تمثل 22 في المئة منها و80 مليون دولار، جمّدها أوباما. تماماً كما توقفت عن سداد تلك الحصة من ميزانية اليونسكو في 1984، وكانت حينها توازي 25 في المئة منها.

وفي 2016، أقرّت اليونيسكو أن الحرم القدسي يشمل كل المسجد الأقصى وأنه تراث إسلامي أولاً ومعرّض للخطر ثانياً، وطالبت بوقف الحفريات تحته وحوله والانتهاكات في داخله. بعدها، في 2017، غضبت الولايات المتحدة من قرار لجنة التراث العالمي التابعة لليونسكو اعتبار مدينة الخليل القديمة ــ وهي تحمل اسم النبي إبراهيم أبو التوحيد وكل الديانات السماوية، بما فيها اليهودية (للمزيد: فلسطين تحمي أثر الأقدمين)  ــ جزءاً من التراث العالمي المعرض للخطر، وكذلك الحرم الابراهيمي. اعترض نتنياهو على القرارات "السخيفة"، فالحرم الابراهيمي مثلاً اسمه لمن لا يعرف.. "مغارة المخبيلا"، وهلم جرا..



واليوم تدين واشنطن اليونسكو لـ"معاداتها إسرائيل"! ولعل الانسحاب هو ما بيد ترامب الذي ملأ الدنيا وعوداً لإسرائيل، ومنها انه سينقل سفارته الى القدس فور انتخابه.. ولعل هذا الانسحاب هو أيضاً التعبير عن الغيظ من أن الفلسطينيين، على الرغم من كل التنكيل والاضطهاد والاستباحة، لم يختفوا، وأنهم يحققون احياناً انتصارات صغيرة، تصبح كبيرة بنظرهم وهم يقاتلون في مستوى تحت الصفر، وكذلك بنظر اعدائهم الذين خالوا انهم تخلصوا منهم بعد كل ما فعلوه بهم!

مرة أخرى يظهر أن أي مسلك "توتاليتاري"، من أي صنف ونوع، لا يمكنه الهيمنة.. وأن المفهوم يحتاج لإعادة تعريف. نعم، "هي" قوة عالمية متغطرسة ترغي وتزبد، كما كانت الإمبراطورية الرومانية وسواها من الإمبراطوريات على مر التاريخ. والامر هنا ليس في أنها دارسة وحسب، بل في حقيقة أنه لا يمكنها ضبط كل تفاصيل الايقاع على هواها، حتى وهي مهيمنة. تغضب من النشاز؟ عاش النشاز!

مقالات من أميركا

جينا "الدموية"؟ كفاكم تهريجاً

"التعذيب مفيد وفعال" بحسب ترامب الذي اختار لرئاسة CIA جينا هاسبل المسئولة عن سجون سرية أقامتها الولايات المتحدة حول العالم بعد "سبتمبر 2001"، وعن برامج تعذيب المعتقلين فيها.

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...