الحرب الأهلية الإسبانية: كيف نقرأها، ولماذا الآن؟

ستستمرّ الحرب إلى العام 1939، وستنتهي بفوز الفاشية، وبمقتل نصف مليون إنسان، وتهجير رقم شبيه، وبحكم فرانكو لإسبانيا بالنار والحديد لمدة ستة وثلاثين عامًا..

2017-09-07

شارك

من مواقع صديقة: حبر


جابر جابر

 

«لن يمرّوا». في كلّ مرة أسمع فيها هذه الجملة فإن ذهني، ومن دون قرارٍ واعٍ منّي، يفكّر في أنها قيلت أولًا في حصار بيروت العام 1982. وأفكر أنه يمكن لي أن أقرأها اليوم على جدران مدرسة في شوارع الشجاعيّة في غزّة، أو على حائطٍ صامدٍ لمستشفى توقف عن العمل في حلب قبل دخول قوات النظام لها، أو على سور مسجدٍ نجا من تدمير قوات التحالف له في صنعاء.

لكنني اكتشفت لاحقًا أن العبارة التي تبدو اليوم عربيّةً، ومفرطة في عربيّتها، قد استُعْمِلتْ، قبل أن يستعملها فدائيون محاصرون في بيروت، من قِبل المدافعين عن مدريد في الحرب الأهلية الإسبانية. لن يمرّوا، أو «نو باساران» هكذا هتفت البرلمانية الإسبانية دولوريس إيباروري، يوم التاسع عشر من تموز 1936، في خطابٍ أمام الصحافة في مدريد معلنةً فيه موقف حزبها من إعلان الجنرال فرانكو الحرب على الجمهورية.

وبعد أسابيع على ذلك الخطاب التاريخي، تحرّكت القوات الفاشية باتجاه مدريد، وارتكبت في طريقها نحو عاصمة الجمهورية العديد من المجازر، ناشرة الرعب والذعر في صفوف أنصار الجمهورية.

لدى وصول هذه القوات إلى مدريد كان الوضع داخل المدينة المحاصرة على النحو التالي: الحكومة الشرعية تنقل العاصمة إلى فالنسيا خشية وقوع العاصمة بيد الفاشية، الذعر ينتاب الجميع، الصحافة العالمية تتحدّث عن سقوط العاصمة خلال ساعات، حكومات بعض دول العالم تهنئ الجنرال فرانكو بتحقيقه النصر، حتى قبل وصوله المدينة. لكن في مقابل كلّ هذا اجتاحت المدينة رغبة في الصمود. ربما لأن المدينة كانت قد أصبحت مكوّنة من خليط من اللاجئين الذين دمّر فرانكو مدنهم وقراهم فملّوا الفرار. وربما بسبب سلوك بعض القيادات التي كانت تنتقل من شارع إلى شارع تحث الناس على الدفاع عن مدينتهم. المهم أن قرارًا بالدفاع عن المدينة قد اتخذ، وتسلّح العمال والفلاحون ببنادق الصيد والعصي وكل ما أمكن تحويله سلاحًا. وباتت العبارات التي تحثّ على القتال منتشرة جدًا، وكان من بينها: في [مدينة] بطليوس قتل [الفاشيّون] ألفين، إن سقطت مدريد فسيقتلون نصف سكان المدينة»، وفي تلك الأيّام المجيدة استعاد الناس عبارتي دولوريس الشهيرتين: «أن تموت على قدميك خير من أن تعيش على ركبتيك»، ومقولتها الأثيرة التي كتبت على يافطات ملأت المدينة، وهي: «لن يمرّوا». لتصمد المدينة في وجه الغزاة.

بالطبع كان لعوامل أخرى دور حاسم، من بينها تأخر هجوم فرانكو على المدينة، وكذلك وصول الأسلحة السوفيتية إلى الجمهوريين، وكذلك وصول المتطوعين الدوليين، لكن بعض مؤرّخي الحرب يحلو لهم التركيز جدًا على مركزية دور سكان المدينة في الدفاع عنها، وهذا ما اخترت أن أقتنع به.

 

تلخيص مخلّ للحرب الأهليّة الإسبانيّة

 

في أقل عدد ممكن من السطور سأقوم بتلخيص الحرب الأهليّة الإسبانيّة، ولكن بالطبع يمكن العودة إلى مصادر سهلة ومتاحة، للتعرّف على أحداث هذه الحرب التي سينتج عنها مقتل أكثر من نصف مليون إنسان خلال أقل من ثلاث سنوات. مع ضرورة التأكيد أن أي تلخيص لهذه الحرب إنما هو تلخيص مخلّ على اعتبار أنها كانت حربًا شديدة التعقيد.

في الرابع عشر من نيسان من العام 1931 تم إعلان الجمهورية في إسبانيا، ونفي الملك ألفونسو الثالث عشر إلى الخارج، لتعرف إسبانيا ما سيسمّى الجمهورية الثانية، والتي ستكون نهايتها مع نهاية الحرب الأهلية.

عاشت الجمهورية الإسبانية الوليدة مصاعب عدّة، نتيجة الكثير من العوامل، من بينها الانقسام السياسي الحاد، واضطراب العلاقة بين الحكومة الشرعية والجيش، وكذلك العلاقة بينها وبين الكنيسة. على اعتبار أن هاتين الفئتين كانتا من الفئات التي تضرّرت من القوانين التي سنّتها الجمهورية الوليدة. وفي شباط من العام 1936 شهدت إسبانيا آخر انتخابات في حياتها القصيرة، ونجحت في هذه الانتخابات الجبهة الشعبيّة، وهي ائتلاف مكوّن من عدد من الأحزاب اليسارية والقوى الجمهورية، وهو الأمر الذي لم يعجب بالطبع القوى اليمينيّة في البلاد، فساد إثر الانتخابات العنف في البلاد، إضافةً إلى حالةٍ عامّةٍ من عدم الاستقرار. وفي آذار من العام نفسه سيجتمع عدد من ضباط الجيش المناهضين لليسار وسيتقرر في هذا الاجتماع أن تبدأ «انتفاضة لإعادة فرض النظام في المناطق الداخلية فضلًا عن إعادة إرساء هيبة إسبانيا الدوليّة»، وفي صباح الثامن عشر من تموز يعلن فرانكو الحرب، وينطلق بقوّاته التي كان عمادها الفيلق الأفريقي قادمًا من المغرب. حيث كان يقود الحامية الإسبانية هناك.

ومنذ ذلك اليوم ستكون الحرب أساسًا بين جهتين: الجمهوريين، وهم الموالون للحكومة الإسبانية الشرعية ويتكونون من قوى وميلشيات متعددةٍ، إضافةً إلى قوّاتٍ من الجيش الإسبانيّ، رفضت الحركة الانقلابية لفرانكو ورفاقه، وكذلك ما سيطلق عليه الفيلق الدولي وهم متطوّعون من أنحاء العالم قرّروا المشاركة في القتال إلى جوار الجمهوريين «دفاعًا عن الديمقراطية ورفضًا للفاشية». والمتمرّدون أو القوميّون، الذين سنطلق عليهم في هذا النص اسم الفاشيين، وكانوا عبارةً عن تحالف من العسكر الانقلابيين والأحزاب اليمينيّة الذين ستدعمهم مع بداية التمرّد العسكري الكنيسة الكاثوليكية. وسيدعم الاتحاد السوفيتي الجمهورية فيما سيتلقى الفاشيّون دعمًا غير محدود من ألمانيا النازية وإيطاليا موسوليني وكذلك من ديكتاتور البرتغال أنطونيو سالازار[1]، على شكل عشرات الآلاف من الجنود المدرّبين إضافةً إلى كميّةٍ هائلةٍ من العتاد. فيما ستلتزم كل من بريطانيا وفرنسا، مبدأ عدم التدخل تحت ذريعة عدم منح ألمانيا الهتلرية مبرّرات لإشعال فتيل حرب عالمية جديدة.



وفي الوقت الذي تمكّن فيه فرانكو من القضاء على خصومه ومنافسيه في القوات الفاشية، وتمكن كذلك من خلق حالةٍ من الانضباط داخل جيشه، فإن الجمهورية عجزت عن فعل أمر مشابه، نتيجة العديد من الأسباب التي يمكن عزو جزء منها إلى ضعف الحكومة الجمهورية، وانعدام الخبرة لدى الفلاحين والعمال الذين انتسبوا إلى قوّاتها والميليشيات المتحالفة معها، وربما يمكن القول أن الأجواء الثورية التي سادت المعسكر الجمهوري قد قادت بشكل أو بآخر للتقليل من مستوى الانضباط في قوات الجمهورية. وعن لحظة انفجار الحرب الأهلية يقول خوليان كازانوفا مؤلف كتاب «الحرب الأهلية الإسبانية»: «أصبحت حكومة الجمهورية التي كانت تسيطر من حيث المبدأ على أراضٍ أكبر وموارد اقتصادية أكثر، وسلطتها تغطي أهم المدن وأكثرها اكتظاظًا بالسكان، من دون قوات عسكرية وغير قادرة على فرض الانضباط على الميليشيات الثورية التي نشأت مكان الجيش. أما المتمردون العسكريون، من ناحية أخرى، فكان لديهم جيش أفريقيا الذي كان بوسعه الانتقال بسرعة إلى شبه الجزيرة، بفضل مساعدات ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، وضمّ جنودًا محترفين يعرفون القواعد الأساسية للتقنية العسكرية».

وخلال الحرب الأهلية ستشهد المناطق الجمهوريّة حربًا أهلية مصغّرة بين الفصائل المسلّحة، إثر خلافاتٍ عديدةٍ أساسها الموقف من موسكو وستالين، وكذلك الموقف الدولة كنظام سلطوي قهري ترفضه القوى الأكثر راديكاليّة، رغم اتفاق جميع هذه القوى على أنه لكي تنجح الثورة فإنّه على الجمهوريّة أن تكسب الحرب الأهلية.

ستستمرّ الحرب إلى العام 1939، وستنتهي بفوز الفاشية، وبمقتل نصف مليون إنسان، وتهجير رقم شبيه، وبحكم فرانكو لإسبانيا بالنار والحديد لمدة ستة وثلاثين عامًا. وبندوبٍ لا زالت البلاد تحاول التعافي منها إلى الآن.

من المواضيع التي تستحق الدراسة والبحث في تاريخ الحرب الأهلية الإسبانية مسألة مشاركة المغربيين في الحرب، إذ يقدّر عدد المغاربة الذين شاركوا في الحرب ضمن جيش فرانكو، جيش أفريقيا، أو الفيلق الأفريقي بعشرات الآلاف. وفي الفيلم الوثائقي «المنسيّون المغاربة» في الحرب الأهلية الإسبانية حديث عن الوسائل التي نجح عبرها فرانكو في تجنيد آلاف المغاربة، ومن بينها البروباغاندا الدينية التي قالت للمغاربة أنهم سيذهبون لمحاربة الملاحدة الماركسيين الذين يمنعون الصلاة. وكذلك تم الإغراء بالمادة، إذ منح كل جندي راتب شهرين مقدّمًا، وكذلك منحوا أربعة كيلو سكّر وصفيحتي زيت. لكن الأهم هو أنه، وبحسب بعض المصادر فإن من رفض من المغاربة التجنيد ضمن جيش فرانكو كان يتم قتله أو تهديد بالقتل وأخذه عنوة.


المقال الكامل على موقع حبر، وفيه أيضاً عرض لمجموعة من الكتب التي تشكّل مدخلًا جيدًا للتعرف على الحرب الأهلية الإسبانية، مجرياتها، وآثارها.

 


وسوم: