"الشروق": صناعة الدواء.. مفارقة صادمة: كيف كنا وكيف أصبحنا؟

ذات صباح فى عامنا هذا، وفى زمان لا تعرف فيه وزارة الصحة ما إذا كانت مصر تنتج ألبان الأطفال محليا، كنت أراجع مذكراتى التى أعدها للنشر«دواء وعلل: قصتى مع صناعة الأدوية».
2017-05-02

شارك

من صحيفة الشروق المصرية
نص لـ ناهد يوسف
 

ذات صباح فى عامنا هذا، وفى زمان لا تعرف فيه وزارة الصحة ما إذا كانت مصر تنتج ألبان الأطفال محليا، كنت أراجع مذكراتى التى أعدها للنشر«دواء وعلل: قصتى مع صناعة الأدوية». وتمهلت بفخر أمام الجزء الخاص بإنشاء صناعة أدوية وطنية خالصة والدور الذى لعبته وزارة الصحة آنذاك ووزيرها العالم الجليل الدكتور النبوى المهندس. وكيف امتلكت المؤسسة العامة للأدوية وقياداتها الرؤية والكفاءة العالية، والانتماء الوطنى، لتقديم العلاج اللازم للمواطنين، وإمداد ٥٠٠ وحدة صحية بالقرى بالأدوية اللازمة. فقامت بالاستفادة من المصانع الصغيرة المتواضعة الآلات والمعدات ورؤوس الأموال، وكوادر تلك المصانع الفنية الشابة، وإلى جانبها تأسيس شبكة من ثمانية مصانع جديدة تستهدف زيادة الإنتاج من ٥٪‏ إلى ٨٥٪‏ من الاحتياجات الدوائية من كل المجموعات الفارماكولوجية والمستلزمات الطبية المحلية.

شبكة إنتاجية تكاملية

كانت تلك الشبكة من المؤسسات والمصانع تكاملية. وقامت الهيئة العليا للأدوية بالدراسة الجادة وبتخطيط الاحتياجات. وعملت مؤسسة الأدوية على تحقيق هدف إتاحة الدواء لكل من يحتاجه فى الوقت المناسب، وضمان جودته وحسن استخدامه. وقد سبقت مؤسسة الأدوية التى تأسست فى عام ١٩٦٢ منظمة الصحة العالمية التى أصدرت لاحقا، فى عام ١٩٧٠، بخصوص الالتزامات الواجبة فى كل الدول تجاه علاج مواطنيها.
كان من حظى أن شهدت كيف استفادت المؤسسة بخبرات الرواد المؤسسين للصناعة فى أربعينيات القرن العشرين، مثل مؤسسى شركة مصر للمستحضرات التى أنشأها طلعت حرب، وشركة ممفيس للأدوية التى أنشأها الدكتور نصرى بدران، وغيرها من المصانع الصغيرة.
كما كان من حظى أن كان على يدى ميلاد أكبر شركة لصناعة الدواء فى الشرق الأوسط، شركة النيل للأدوية، وبناء مصنعها العملاق فى عامين، بأيد مصرية، والمستحضرات التى صممها الأساتذة العلماء بكل التخصصات لعلاج الأمراض المختلفة، وقام بتصنيعها الصيادلة بمختلف أقسام الشركة، وقام بالتخطيط لإنتاجها المخططون بالهيئة العليا للأدوية، ووفروا الكيماويات وباقى المدخلات اللازمة بأفضل الأسعار. وقامت مؤسسة الأدوية بحماية تلك الصناعة من المحاولات الدؤوبة لإفشالها من قبل شركات الدواء العملاقة التى كانت مصر تستورد منها معظم احتياجاتها من الأدوية والخامات.
وهكذا فى أقل من عشر سنوات، أصبحت مصر تنتج بالفعل ٨٥٪‏ من الأدوية وبعض خاماتها، مما كان الشعب المصرى يحتاجه آنذاك، ومن جميع الأشكال الصيدلية: بدءا بالخلاصات من النباتات الطبية، ومرورا ببعض المواد الفعالة التى صممها كبار أساتذة الطب والصيدلة، الذين صمموا وعدلوا أيضا الكثير من تركيبات المستحضرات الطبية اللازمة لعلاج أمراض المصريين، آخذين فى الاعتبار خصوصيته وتفضيلاته. وكان إنتاج هذه المستحضرات (نحو خمسة آلاف صنف من الحقن والأقراص والسوائل والمراهم واللبوسات والمحاليل)، باستخدام أحدث وأدق آلات ومعدات التصنيع فى عصرها، مع الالتزام بأدق النظم العالمية والتفتيش والمراقبة الدائمين.

لقراءة المقالة كاملة


وسوم: