التوحش!

نحن، "البشر الفائضون عن الحاجة"، نقتل بالمئات في مرة واحدة، كل مرة، بخان شيخون والموصل وسواهما. فهل أفقنا حبيس الأنظمة البشعة وداعش والأمريكان؟ هل هناك إمكان آخر لمواجهة التوحش.. التوحشات!
2017-04-06

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
أحمد السوداني - العراق

منذ أيام قليلة، سقط ما يتراوح بين 60 و100 قتيل في خان شيخون، بالقرب من إدلب. مدنيون بينهم عشرات الأطفال. الأرقام تقريبية، فالأرواح التي تُزهق هنا تُقارَب بالجملة، ويُرجَّح أن في الأمر كذب وجهل مجبولان معاً.
الرقم الدقيق وأسماء الضحايا ووجوههم لا تهم، أليس كذلك؟ فهناك وفرة من البشر في بلادنا، يُعتبَرون "فائضون عن الحاجة". وأما الأبشع، فهو التراشق في المسئوليات: هل هو غاز السارين استخدمته السلطة السورية بالأمس، أم هو انفجار في مصنع مواد كيماوية لداعش جراء غارة "عادية"، كما تقول هذه السلطة؟ ما هي الغارة العادية على الناس، وما الذي يجعلها "نظيفة"؟ مجلس الأمن يجتمع ويدين ويطلب تحقيقاً، وهو محق بالطبع.
ولكن، وعلى منوال الاعتداد بتوازن الرعب والإجرام هذا، فلا بد من التذكير بأنه في الأسبوع الأخير من شهر آذار/ مارس الفائت، أدت غارة واحدة للطيران الأمريكي على الموصل (ما زال في المدينة 400 ألف إنسان) إلى سقوط 230 قتيلاً "على الأقل"، جلهم من النساء والأطفال. وكان ذلك أثناء مهاجمة وتدمير ثلاث بنايات فوق رؤوس ساكنيها، لأن داعش وضع على أسطحها قناصة، وكان لا بد من شطبهم: "داعش يستخدم المدنيين كدروع بشرية"، هكذا ينفض الأمريكان، ومعهم العالم، أيديهم من مسئولية إبادة مدنيين.
وهذا حينما لا يقولون فحسبsorry  لـ"الخطأ غير المقصود"، كأن تهاجم طائراتهم، بطيار أم من دونه، تجمعات يتبين فيما بعد أنها لمناسبات اجتماعية: اليمن والعراق وسوريا تحفل بسجل ثقيل في هذا، ولم يُعرف عن أي محاسبة جرت، حتى عندما تُهاجَم مستشفيات كما حدث مع مشفى أطباء بلا حدود في أفغانستان في 2015 بمكان اسمه "قندوز"، فهل نتوقع أن يحفل أي "متحضر" ــ أو متجبر ــ بما يجري في هكذا مُسمّى؟ ثم علام المستشفيات "هناك"؟ ها ترامب يختصر الأمر بإلغاء مساهمة بلاده في صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي يُسعِف الأفقر في العالم، بحجة مذهلة هي أن الأمم المتحدة تمول عبر هذا الصندوق الإجهاض والتعقيم الإجباريان! من أين يستقي الرئيس معلوماته؟ ومن يتولى فبركة ماكينة كذبه، هل هو شخصياً من يفعل أم مستشارون مهرة.

ونحن أيضاً في أسبوع وصول قوات الاحتلال الأمريكية إلى بغداد في 9 نيسان/ ابريل 2003. والسؤال المطروح يتعلق بجدارة اعتبار هذا التاريخ أحد ابرز محطات الانتهاك المتعمَّد لمجتمعاتنا، كما كانت النكبة في فلسطين تاريخاً مفصلياً. ليس وضعهما في مقارنة أو منافسة بل إدراكهما في سياق / سيرورة مشتركة.. وبلا تحميل "الآخرين" فحسب لعيوبنا ونواقصنا (وهي ملاحظة استدراكية لمحاجة شائعة).
والأهم: هل يعني ذلك الإدراك الوقوع أسرى الخيار الإلزامي بين نظام صدام حسين البشع وبين الاحتلال الأمريكي للعراق وتدميره على النحو الذي أنتج كوارث متلاحقة ومتلازمة ما زلنا نشهد آثارها؟ السؤال ليس نظرياً ولا ترفاً فكرياً. بل هو راهن وعملي، يخص سوريا كما اليمن المشتعلان، وكذلك سواهما: هل نقاتل من أجل غلبة "واقع" على آخر، باعتبارهما المتاحين في هذه اللحظة؟ هل الانحياز للأمريكان ــ كما فعلت عدة قوى سياسية في العراق ــ للتخلص من صدام حسين "وبعد ذلك نرى" أو الدفاع عن نظام مرعب خشية الأسوأ منه، ومناهضةً للاستعمار، هو الأفق الوحيد. أين التقاط التحول، الدينامية الفاعلة في هكذا خيارات متنافسة في السوء؟ ثم هل التاريخ مصنوع من القائم ومما يظهر بشكل قاطع أنّه آت؟ هل تلك هي حقاً "العقلانية"، وهي أظهرت مراراً وكثيراً أنها عقيمة لأنها عاجزة عن توقع أهم لحظات هذا العالم وناسه.. هناك مثلاً في أساس الحكمة الصينية تركيز على إعمال الفكر والخيال في "التغييرات الصامتة".

يأتي داعش، وقبله القاعدة وبعده ما وحده الله يعلم ما هو، ليقدم "قراءة" أخرى تخرج عن هذه الثنائية، رواية سردية لمصائبنا ولكيفية التخلص منها ويطلب الانحياز لها. وهو وأقرانه لن يهزم بالقصف ولا بالموعظة، بل بتقديم أفق آخر، رواية سردية وقراءة للواقع تقول ممكنات، هي حقاً موجودة وفي لحظات تحول، وعلى شكل بؤر مضيئة وسط العتمة، وعلى شكل حاجة ماسة إن لم نقل ضرورة. تلك هي المعادلة في مواجهة التوحش.. التوحشات!

مقالات من سوريا

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...