الرئيس الموريتاني يسخر من الشعراء

الرئيس الموريتاني يسخر من الشعر والعلوم الإنسانية خلال حديثه عن "الرؤية الاستراتيجية للدولة في مجال التعليم والتكوين"، فأثار امتعاضاً في "بلاد المليون شاعر" ومداخلات سياسية لشعراء بارزين
2017-04-02

المختار ولد محمد

صحافي من موريتانيا


شارك
رافع الناصري - العراق

أثارت سخرية الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز من الشعر خلال مؤتمر صحافي هذا الأسبوع امتعاضاً في "بلاد المليون شاعر" وفي الأوساط الأدبية الموريتانية. السخرية جاءت خلال حديثه عن الرؤية الإستراتيجية للدولة في مجال التعليم والتكوين، حيث انتقد ما وصفه بالمكانة المبالغ فيها التي تحتلها العلوم الإنسانية، معرِّضاً بالشعر في سياق ذلك. ويؤكد المقربون من الرئيس أن كلامه ليس موجهاً ضد الشعراء، مؤكدين دعمه لهم في المسابقات الدولية. إلا أن الشعراء أعربوا شعراً ونثراً عن استياء كبير من هذه التصريحات. واعتبر الشاعر أدي ولد آدبه أنّ هذه السخرية تظهر قصور فهم الرئيس لدور الشعر والعلوم الإنسانية في حياة البشر، وأضاف أن ّالرئيس زعزع توازن محاوريه حيث لم يعودوا يعرفون بأية لغة يخاطبونه، وصار حوار طرشان، وسقطت هيبة الدستور وشرعية تصويت البرلمان "لليدين والفم".
ﻭﻋﻠﻰ ﻣﻘﺮﺑﺔ ﻣﻦ ﻫﻨﺎ، ﺗَﺠَﻨْﺪَﻟَﺖْ - ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ - ﺻﻔﺔ "ﺍﻟﻤﻠﻴﻮﻥ ﺷﺎﻋﺮ"، ﺃﺳﻄﻮﺭﺗﻨﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﺑﻘﺬﻳﻔﺔ ﻣﻮﺻﻮﻣﺔ ﺑـ"ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ"، ﻭﺗﺮﺩَّﺕ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺻﺮﺡ ﻋﺮﺷﻬﺎ ﺍﻟﻤُﻤَﺮﺩ، ﻣﻞْﺀ "ﺑﻼﺩ ﺷﻨﻘﻴﻂ / ﺍﻟﻤﻨﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﺮﺑﺎﻁ"، ﻣﻨﺘﺤﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﻮﺍﺭ ﻋﻘَﺒَﺔ "ﺗﻨﺘﺸﻠﻮﻥ"، ﻣﻨﺘﻬﻜﺔ ﺍﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﺸﺮﻭﻋﻴﺔ، ﺑﻤﻘﻮﻟﺔ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﻄﺎﻓﺤﺔ ﺑـ"ﺍﻟﺒَﺮَﺍﺀ" ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭ"ﺍﻟﻮﻻﺀ" ﻟﻐﻴﺮﻫﺎ.. ﺣﻴﻦ ﺳﺄﻝ الرئيس ﻣﺘﻬﻜِّﻤﺎً: ﻋﻦ ﻣﻌﻨﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺎ ﺗﺴﻤُّﻮﻧﻪ ﺃﻧﺘﻢ "ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ"؟ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻧﻌﺮﻑ ﺭﺋﻴﺴﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﻣﺎﺫﺍ؟ ﻭﻗﺪ ﺧﺮﺕ "ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ" ﺻﺮﻳﻌﺔ ﺑﺸﻈﺎﻳﺎ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﻲ، ﺍﻧﺘﺼﺎﺭﺍ ﻟـ"ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ"، ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﻮﺟﺪ - ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻱ - ﻋﻠﻮﻡ ﻏﻴﺮ "ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ" ، ﺇﻻّ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻦ ﺍﺑﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﺠِﻦِّ... ﻭأﻥ "ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ" ﻛﻤﺎ ﺗﺴﻤَّﻰ ﺘﻔﻘﺪ ﻛﻞ ﻗﻴﻤﺘﻬﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻔﻘﺪ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺘﻬﺎ". ﺯﺩْ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﺭﻗﻰ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻛﻢ، ﻻ ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﻌﺒﺎﻗﺮﺓ ﻋﻠﻮﻣﻬﺎ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ، ﻭﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻣﺔ ﺑـ"ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ"، ﻭﺇﻧّﻤﺎ ﺗﺰﻫﻮ ﻭﺗﺘﻴﻪ ﺑﺸﻌﺮﺍﺋﻬﺎ ﻭﺃﺩﺑﺎﺋﻬﺎ ﻭﻓﻼﺳﻔﺘﻬﺎ...، ﻭﺗﺨﺘﺰﻝ ﻛﻞ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺎﻫﻲ ﺑﻬﺆﻻﺀ. ﻓﻠﻐﺔ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻲ ﺗﺴﻤﻰ "ﻟﻐﺔ ﻣﻮﻟﻴﻴﺮ"، ﻭﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻹﻧﺠﻠﻴﺰﻱ ﻳﺴﻤﻲ ﻟﻐﺘﻪ "ﻟﻐﺔ ﺷﻜﺴﻴﺒﺮ"، ﻭ "ﺳﺮﻓﺎﻧﺘﺲ" ﻫﻮ ﺭﻣﺰ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻹﺳﺒﺎﻧﻴﺔ.. ﻓﺒﻤﻦ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻤﻮﺭﻳﺘﺎﻧﻴﺎ ﺃﻥ ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻌﺘﺰ ﺑﺄﺩﺑﺎﺋﻬﺎ ﻭﺷﻌﺮﺍﺋﻬﺎ ﻭﻋﻠﻤﺎﺋﻬﺎ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ؟ ﻭﺇﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺮﺳِّﺦْ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﺍﻛﺮﺓ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻔﺼﺤﻰ. وﻤﺘﻰ ﺗﻔﺮﺽ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻋﺎﻟﻤﻴﺎ ﻋﺒﺮ ﺗﺄﻟﻘﻬﺎ ﻓﻲ "ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ"، ﻓﻲ ﻇﻞ ﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻋﺘﺮﻑ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ، ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ "ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ" ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ "ﻓﺎﺳﺪﺍ"!

 

ﺗَﺠَﻨْﺪَﻟَﺖْ - ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ - ﺻﻔﺔ "ﺍﻟﻤﻠﻴﻮﻥ ﺷﺎﻋﺮ"، ﺃﺳﻄﻮﺭﺗﻨﺎ ﺍﻟﺠﻤﻴﻠﺔ، ﺑﻘﺬﻳﻔﺔ ﻣﻮﺻﻮﻣﺔ ﺑـ"ﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﻣﺎ ﺷﺎﺑﻪ"، ﻭﺗﺮﺩَّﺕ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻣﻦ ﺻﺮﺡ ﻋﺮﺷﻬﺎ (...) ﺑﻤﻘﻮﻟﺔ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﻄﺎﻓﺤﺔ ﺑـ"ﺍﻟﺒَﺮَﺍﺀ" ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭ"ﺍﻟﻮﻻﺀ" ﻟﻐﻴﺮﻫﺎ.. ﺣﻴﻦ ﺳﺄﻝ ﻣﺘﻬﻜِّﻤﺎً ﻋﻦ "ﻣﻌﻨﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﻣﺎ ﺗﺴﻤُّﻮﻧﻪ ﺃﻧﺘﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ"؟

 

ﻭﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﻫﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻻ ﻳﻜﺎﺩ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﻜﺮﻩ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮ، ﻣﻌﻄﻴﺎ ﻟﻸﻭﻝ ﻣﻌﻨﻰ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎ، ﻭﻟﻠﺜﺎﻧﻲ ﺁﺧﺮ ﺳﻠﺒﻴﺎً، ﻣﺒﺪﻻ "ﺛﺎﺀ" ﺛﻜﻨﺎﺗﻪ "ﺳﻴﻨﺎً" ، ﻟﺘﺼﺒﺢ "ﺳﻜﻨﺎﺕ"، ﻭﻟﻴﺘﻪ "ﺳﻜﻦَ" ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﺴﻠﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻋﺒﺮ "ﺍﻻﻧﻘﻼﺏ" ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ.. ﻭﻟﺴﺖ ﺃﺭﻯ ﺩﺍﻋﻴﺎ ﻟﻺﻃﺎﻟﺔ ﻓﻲ ﺗﺘﺒﻊ ﺍﻟﺘﺸﻮﻫﺎﺕ ﺍﻟﻠﻔﻈﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻟﺤﻘﻬﺎ - ﻛﺬﻟﻚ - ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺆﺗﻤﺮ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﻲ ﺑـ "ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺩﺓ" ﻭﺃﺧﻮﺍﺗﻬﺎ، ﻏﻴﺮ ﺃﻧﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﺘﺎﻡ ﺃﻫﻤﺲ ﻓﻲ ﺃﺫﻥ ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ ﻭﺍﻷﺩﺑﺎﺀ ﻭﺍﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﺍﻟﻤﻠﺤﻘﻴﻦ ﻓﻲ ﺩﻳﻮﺍﻥ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﺔ: ﺃﻳﻦ ﺃﻧﺘﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺨﻄﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺮﺋﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻤﺪﻣﻨﺔ ﻟﻺﺳﺎﺀﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ، ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﻭﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ؟ ﻛﻴﻒ ﻳﺘﻜﺮﺭ ﺫﻟﻚ ﻭﺃﻧﺘﻢ "ﻣﺴﺘﺸﺎﺭﻭﻥ" ﺷﺎﻫﺪﻭﻥ؟.. ﺃﺧﺒﺮﻭﻧﻲ ﺑﺄﻱ ﺻﻔﺔ ﻋﻴﻨﺘﻢ ﻫﻨﺎﻙ؟ ﺇﺫﺍ ﻛﻨﺘﻢ ﻋﻴﻨﺘﻢ ﺑﺼﻔﺘﻜﻢ ﻛﻴﻤﻴﺎﺌﻴﻴﻦ، ﻭﻓﻴﺰﻳﺎﺋﻴﻴﻦ، ﻭﺧﺒﺮﺍﺀ ﺫﺭﺓ، ﻓﻼ ﺗﺜﺮﻳﺐ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺃﺑﺪﺍ.. ﻳﻐﻔﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻨﺎ ﻭﻟﻜﻢ.
ومن جانبه تساءل الشاعر سيدي ولد لمجاد عن سبب هذه السخرية وقال متى "ينتشل" الرئيس نفسه من هذه الرؤيا الضيقة لحقل العلوم الإنسانية عموماً، وهو المحاط في قصره بطاقم ينتمي في أغلبه لهذا المجال، من مستشارين ومكلفين بمهام ومدير تشريفات وغيره.  أما إذا تحدّثنا عن رموز ورؤساء أغلبيته، فلن تشذ القاعدة كثيراً وحكومة المهندس يحيي حدمين مثال ذلك بدءاً بالناطق الرسمي باسمها. كلّهم ينتمون لاختصاصات في الشريعة والآداب والقانون والاقتصاد والوجبات السريعة، ليس فيها علماء في التسليح ولا في العلوم الدقيقة، ولا مرشح واحد لجائزة نوبل في الطب أو الزّراعة أو الغاز أو الحديد أو السمك أو الذهب.

 

ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﺭﻗﻰ ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻛﻢ، ﻻ ﺗﻔﺘﺨﺮ ﺑﻌﺒﺎﻗﺮﺓ ﻋﻠﻮﻣﻬﺎ ﺍﻟﻔﻴﺰﻳﺎﺋﻴﺔ ﻭﺍﻟﻜﻴﻤﻴﺎﺋﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺳﻮﻣﺔ ﺑـ"ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ"، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﺰﻫﻮ ﻭﺗﺘﻴﻪ ﺑﺸﻌﺮﺍﺋﻬﺎ ﻭﺃﺩﺑﺎﺋﻬﺎ ﻭﻓﻼﺳﻔﺘﻬﺎ، ﻭﺗﺨﺘﺰﻝ ﻛﻞ ﻫﻮﻳﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻤﺎﻫﻲ ﺑﻬﺆﻻﺀ

 

وتابع قائلا: سيدي الرئيس، فقط لمعلوماتك الساخرة من الشعراء أو الأدباء، هل تعلم أن محمود سامي البارودي أبرز شعراء النهضة العربية ضابط في القوات المسلحة المصرية، وأن شاعر العربية حافظ ابراهيم ضابط شرطة، وأنّ الشاعر العملاق عمر أبو ريشة عالم كيمياء، وأن نزار قباني لم يتخرج من كلية الشعر في دمشق ولا علاقة دراسية له بالآداب إطلاقاً، وأنّ ابراهيم ناجي صاحب "الأطلال" طبيب، والأمثلة كثيرة داخل وخارج موريتانيا، وما دمنا في موريتانيا فهل تعلم مثلا أنّ عائلة الشاعر الكبير أحمدو ولد عبد القادر التي أنجبها من بنات وأولاد، كلهم يعملون طبيبات وخبراء في البترول والاقتصاد والبنوك وأساتذة رياضيات، ولم يتخرج أي واحد منهم من كليّة الشعر. ولعلمكم الكريم، سيدي الرئيس، لا توجد كلية في العالم اسمها كلية الشعر، ولا توجد جامعة يتخرج منها الشعراء. فالشعر موهبة وإبداع وفتوة وانطباع وقيمة مضافة في تاريخ الفنون والشعوب والحضارات، وهو ليس ظاهرة موريتانية خاصة فقط تعيق التقدم ومشاريعكم الطموحة. وإذا كنتم ترون أن الشعر والشعراء هم سبب الأزمة الحقيقية في البلاد، فأنا أخاف على مستقبل استفتائكم الشعبي المقبل لأننا بلد المليون شاعر.. من كتب النشيد الوطني في كل بلد وشعب، الذي يقف الرئيس والكبير والصغير إجلالاً له وتحية؟ أليس هو الشاعر وليس التاجر. هل تعلم بأن الحرب أولها كلام، والأدب والشعر والإبداع وقود التوجيه المعنوي والنفسي والحضاري للفرد والمجتمع، ووسيلة النصر الأولى ورفع المعنويات.

 

أمسية شعرية في "بيت الشعر" بنواكشوط

 

في خطاب سابق سمعتكم تقولون بأن الأنظمة السابقة كانت تسهر مع الشعراء والفنانين، هل كان بعض الشعراء، وتلك فئة قليلة منهم، هي وحدها من كان يتهافت ويتسابق ويحمي ويستفيد من تلك الأنظمة (في إشارة للرئيس الذي كان قائد الأركان الخاصة للرئيس السابق معاوية ولد الطايع)، ولماذا الشعراء والشعراء فقط من بين كل رعيتكم المباركة هم وحدهم الجدار القصير، ألسنا من غزية إن غوت غوينا وإن ترشد غزية نرشد. ما ذنبنا نحن الشعراء إذا كنا في زمن آخر لا يقال فيه "يا غلام أعطه ألف دينار". تبيت سيدي الرئيس على عتاب كل شعراء البلاد حتى يوم الحصاد، وربما نفعلها مثل ما فعل الشيوخ الشداد (إشارة للغرفة الثانية للبرلمان التي أسقطت التعديلات الدستورية ودفعت الرئيس خلال المؤتمر الصحافي للدعوة للاستفتاء الشعبي).
ومن جانبه وتحت عنوان "أحترمك سيدى الرئيس، لكنى أحترم الشعر أكثر"، كتب محمد ولد إدومو: أسجل هنا للتاريخ أنّني لن أسكت عن "السخرية من الشعر والأدب والعلوم الإنسانية"، حتى وإن كانت هذه السخرية صادرة من رئيس الجمهورية. لن أواجه السخرية والإهانة والتهكم بالصمت، لم يخلق شيطان شعري ليكون أخرس. بلغوا عني رئيسنا المبجل أنني أحترمه كثيرا ولكنني أحترم الشعر أكثر. وأنشد قطعة شعرية بعنوان "أبشر انه الغرق" تنتهي بـ: "وهلْ يُغَطِّي على سوْءاتِكَ الوَرَقُ؟".

 

ﻳﺒﻘﻰ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﻫﻨﺎ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍلإﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻻ ﻳﻜﺎﺩ ﻳﺨﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﻔﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﺑﺘﻜﺮﻩ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺠﻴﺶ ﻭﺍﻟﻌﺴﻜﺮ، ﻣﻌﻄﻴﺎ ﻟﻸﻭﻝ ﻣﻌﻨﻰ ﺇﻳﺠﺎﺑﻴﺎً ﻭﻟﻠﺜﺎﻧﻲ ﺁﺧﺮ ﺳﻠﺒﻴﺎً، ﻣﺒﺪﻻ "ﺛﺎﺀ" ﺛﻜﻨﺎﺗﻪ "ﺳﻴﻨﺎً" ، ﻟﺘﺼﺒﺢ "ﺳﻜﻨﺎﺕ"، ﻭﻟﻴﺘﻪ "ﺳﻜﻦَ" ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﺘﺴﻠﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﺮﺳﻲ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻋﺒﺮ ﺍﻻﻧﻘﻼﺏ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ

 

لكن قطاعا آخر من الشعراء، وخصوصاً رئيس اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، سارع إلى رفض هذه الانتقادات الموجّهة لرئيس البلاد، واعتبر رئيس اتحاد الأدباء أنّ أيّ موقف يتبناه شخص ينتسب للاتحاد في أي موضوع، سياسي وطني أو شخصي، لا يلزم إلا صاحبه، وأن "الاتحاد مرتاح تمام الارتياح للمؤازرة والدعم الدائمين من طرف رئيس الجمهورية، وكذلك تعاون الحكومة عبر القطاع الوصي"، معتبرا أن الاتحاد لا علاقة له بالسياسة وتجاذباتها، إذ يحتضن كل المشارب ويحترمها دون التدخل في الالتزامات والآراء السياسية الشخصية للأعضاء.

 

معلقة غضب الشعراء

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه